مع قرب رحيل إدارة ترامب
إسرائيل حاولت جر إيران للحرب عبر اغتيال العالم زادة
رأى الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان، إن إسرائيل حاولت أن تجر إيران إلى الحرب مع قرب رحيل إدارة دونالد ترامب، من خلال اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، ولكنها لم تفلح.
وأضاف ميلمان في مقال له بموقع "ميدل إيست أي"، أنه "يكاد يكون حتميا بأن نتنياهو وترامب كانا يرجوان استفزاز إيران"، موضحاً "لابد أن ترامب ومساعديه الأمنيين والعسكريين كانوا على علم بالقرار السري للموساد باغتيال زاده، لأن الولايات المتحدة بحاجة لأن تكون قد أعدت نفسها لجميع التبعات، بما في ذلك سيناريو الوضع الأسوأ، والمتمثل في أن تقرر إيران الانتقام من خلال ضرب أهداف أمريكية، مثل القواعد الموجودة في البحرين أو في قطر". وفق موقع عربي 21
وفيما يلي المقال:
من المحتمل أن يكون نتنياهو وترامب وافقا على استفزاز إيران وافتعال المشاكل لبايدن. إذا لم تنتقم طهران، فمن المحتمل أن يكون ذلك على نطاق أضيق
كلما مر مزيد من الوقت على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده يوم السابع والعشرين من نوفمبر / تشرين الثاني كلما تبددت فرص الانتقام السريع.
بعد عملية الاغتيال التي وقعت شرقي طهران والتي تنسب إلى الموساد الإسرائيلي، استخدم كبار المسؤولين الإيرانيين لغة صارمة توعدوا من خلالها بالانتقام، ليس فقط ضد إسرائيل وإنما أيضاً ضد الولايات المتحدة وضد حلفاء إسرائيل الجدد في المنطقة: البحرين والإمارات العربية المتحدة.
من بين أولئك الذين تعهدوا بالانتقام الرئيس حسن روحاني وعدد من كبار العسكريين المقربين من القائد الأعلى علي خامنئي، بما في ذلك وزير الدفاع السابق أحمد وحيدي.
إلا أن اللغة النارية خفتت، وانزوت مشاعر الغضب لتترك مجالاً للقرارات المتأنية. وأول سؤال يطرح بهذا الصدد هو لماذا؟ لماذا قررت إسرائيل قتله؟
كان فخري زاده شخصاً موهوباً متخصصاً في الفيزياء النووية، وكان يدرس ويبحث في جامعة الإمام الحسين في عاصمة بلاده. ولكنه كان أيضاً لواء في الحرس الثوري ونائباً لوزير الدفاع.
منذ سنوات وأجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية والألمانية تجزم بأن مؤهلاته الأكاديمية لم تكن سوى واجهة لعمله الحقيقي كرئيس للبرنامج النووي العسكري السري الذي يركز على التسلح – وغايته إنتاج القنابل النووية.
تتضمن وثائق سرقها جهاز الموساد من أرشيف المشروع النووي الإيراني في عام 2018، ونشرت جزئياً في وسائل الإعلام، دليلاً يثبت ضلوع فخري زاده في تطوير الأسلحة الإيرانية – بما في ذلك تسجيل بصوته يتحدث فيه عن حوالي خمس قنابل وعن الحاجة لإجراء اختبارات.
وبسبب هذه الشكوك طالبت وكالة الطاقة الذرية الدولية بإجراء مقابلة معه مرتين، كانت الأولى قبل عقد من الزمن، ثم تارة أخرى قبل ست سنين، إلا أن السلطات الإيرانية رفضت الاستجابة للطلب.
ليس معروفاً ما إذا كان فخري زاده لحظة اغتياله يعمل في تطوير القدرات النووية الإيرانية.
فقد حاولت أجهزة المخابرات الغربية تتبع فخري زاده والتجسس على هواتفه وكمبيوتراته، وجمع المعلومات عنه.
بل ذهب جهاز الموساد إلى أبعد من ذلك، وخطط عدة مرات لاغتياله، ولكن فخري زاده كان حذراً جداً، وشديد الارتياب والتملص. كان يكتشف المكائد التي تستهدف حياته فيتخفى، وكانت إيران تضاعف الحراسة من حوله، والتي تستمر دون انقطاع على مدى الساعة.
في النهاية لم يكن ذلك كافياً، وأخيراً وجد جهاز الموساد، باستخدام التكنولوجيا والمراقبة الرقمية إضافة إلى العملاء في الميدان، نقاط ضعف في منظومته الأمنية. ثم أعلنت إيران يوم الأحد أن مدفعاً رشاشاً يتم التحكم به عبر الأقمار الصناعية بواسطة "الذكاء الصناعي" استخدم لقتل العالم.
تجنب المصيدة
لا تكفي الرغبة في اغتيال رجل مطلوب.
لتنفيذ الخطة احتاج جهاز الموساد كذلك إلى معلومات دقيقة وجدوى تشغيلية، وبمجرد أن وجدت الرغبة لدى إسرائيل وتحققت لديها المعلومات الاستخباراتية الدقيقة والقدرات اللوجستية، لم يبق سوى مسألة التوقيت، أي لماذا الآن.
على الأغلب سيكون رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو، والذي بيده السلطة النهائية للموافقة أو عدم الموافقة على ما إذا كان بإمكان رئيس الموساد يوسي كوهين المضي قدماً في تنفيذ المهمة، قد تشاور بشأن ذلك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لابد أن ترامب ومساعديه الأمنيين والعسكريين كانوا على علم بالقرار السري لأن الولايات المتحدة بحاجة لأن تكون قد أعدت نفسها لجميع التبعات، بما في ذلك سيناريو الوضع الأسوأ، والمتمثل في أن تقرر إيران الانتقام من خلال ضرب أهداف أمريكية، مثل القواعد الموجودة في البحرين أو في قطر.
وهذا يقود إلى الاستنتاج الذي يكاد يكون حتمياً بأن نتنياهو وترامب كانا يرجوان استفزاز إيران.
لربما كان السيناريو المأمول بعد مقتل فخري زاده هو أن تنتقم طهران من خلال عمل تقوم به ضد الولايات المتحدة مما لا يترك خياراً أمام ترامب سوى إعلان الحرب على إيران. لو كانت تلك هي خطتهما لكانت الغاية منها كذلك هي إحراج الرئيس المنتخب جو بايدن.
بعد أن صدر عنهم رد فعل عاطفي في أول الأمر، سرعان ما أدرك زعماء إيران المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية فقرروا تجنب الوقوع في المصيدة.
ومع ذلك لا تزال إيران تطلب الثأر وتعد أجهزة المخابرات التابعة لها لتكون على أهبة الاستعداد. إلا أن طهران تنتظر قدوم إدارة بايدن على أحر من الجمر، وترجو أن يعيد الديمقراطيون الولايات المتحدة إلى صفقة النووي التي أبرمت في عام 2015 وأن يرفعوا العقوبات التي فرضها ترامب على إيران خلال العامين الماضيين وتسببت لها في حالة من الشلل.
إذا ما أخذنا كل الأمور بالاعتبار فإنه من غير المحتمل على الإطلاق أن تثأر إيران بضرب أهداف تابعة للولايات المتحدة، وبالتأكيد ليس قبل دخول بايدن البيت الأبيض في العشرين من يناير. يتطلع الإيرانيون إلى ما بعد ذلك التاريخ، إدراكاً منهم بأن الإدارة الجديدة سوف تحتاج إلى عدة أشهر لصياغة سياستها والعودة إلى صفقة النووي، فيما لو كانت فعلاً راغبة في العودة إليها.
ومع ذلك قد ينتهي المطاف بإيران إلى خيبة أمل. فعلى العكس من الصورة التي يعرضها نتنياهو والجمهوريون في الولايات المتحدة لبايدن، على أنه ضعيف وهين في التعامل مع إيران، إلا أنه ليس في جيب إيران. بل يريد بايدن إحياء صفقة النووي وإعادة إيران إلى العائلة الدولية للأمم، ولكن ليس بأي ثمن.
وكان بايدن وبعض من رشحهم ليكونوا وزراء في حكومته القادمة قد أومأوا بأنهم يرغبون في تحسين صفقة النووي وردم بعض الثغرات التي فيها، وهذه تشمل فكرة "مغيب الشمس" – أي عندما تنتهي صلاحية الاتفاق – والتي من المؤكد أن بايدن لا يريد لها أن تحصل في عام 2025 كما ورد النص عليه في الاتفاقية الأصلية.
كما يأمل في إقناع إيران بتوسيع الصفقة لكي تشمل المواضيع ذات العلاقة بالصواريخ بعيدة المدى وتدخلات إيران التي تزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وكذلك دعمها للجماعات المتشددة.
خيارات محدودة
تعيش إيران في مأزق، لذلك فإنها بحاجة ماسة إلى رفع العقوبات المفروضة عليها، وإلا فإنها ستجد نفسها بسبب تراجع اقتصادها قد انتهت إلى كارثة اقتصادية واجتماعية وسياسية.
ولكن إيران، من منطلق العزة القومية وبسبب الاختلافات الداخلية بين الإصلاحيين والمحافظين، سوف يشق عليها تقديم المزيد من التنازلات.
ومن ناحية أخرى لن تتردد إيران في توجيه ضربة لأهداف إسرائيلية، لولا أن قدرتها على ذلك تظل محدودة.
فهي لا تريد إطلاق صواريخها بعيدة المدى من داخل أراضيها، لعلمها ليس فقط بأن إسرائيل ستنتقم بقبضة حديدية ولكن أيضاً بأن ذلك سيترك الولايات المتحدة بلا خيار سوى المسارعة إلى نجدة حليفها.
والإجراء العقابي الآخر المتاح أمام المخططين الاستراتيجيين في إيران هو إطلاق صواريخها من داخل سوريا. ولكن حتى هنا أياديها مقيدة. إذ لن يوافق على ذلك لا الروس ولا الرئيس السوري بشار الأسد، وحتى هنا سوف ترد إسرائيل بعنف على أي استهداف لها.
والاحتمال الآخر هو أن تشن إيران حرباً سيبرية ضد المواقع والبنى التحتية الاستراتيجية الكبرى في إسرائيل، إلا أن القدرات السيبرية الإسرائيلية – الدفاعية والهجومية – أكثر تفوقاً وأعلى قدرة من تلك التي تملكها إيران.
ولقد حاولت إيران قبل عام تقريباً ضرب البنى التحتية الحرجة في إسرائيل ولكن الأضرار التي سببتها كانت محدودة جداً ولم تتجاوز عدداً صغيراً من مضخات المياه. وإن كانت قد نجحت قبل ذلك بسنوات قليلة في إلحاق أضرار كبيرة بأجهزة الكومبيوتر التي تتحكم بقطاع النفط في المملكة العربية السعودية.
والخيار الآخر أمام إيران هو أن تأمر وكيلها المعتمد، حزب الله، بإمطار إسرائيل بالصواريخ من لبنان. ولكن حزب الله والحكومة اللبنانية الضعيفة في بيروت يعلمان يقيناً أن أي رد إسرائيلي سيكون سريعاً ومؤلماً للغاية بما قد يتسبب في انهيار لبنان بأسره.
وبذلك لا يبقى أمام إيران سوى المزيد من نفس الشيء، ألا وهو محاولة استهداف الإسرائيليين في الخارج.
ولقد حاولت ذلك في الماضي بعد أن اغتال جهاز الموساد خمسة من العلماء الإيرانيين في شوارع طهران في الفترة من 2010 إلى 2012 وكذلك بعد اغتيال المسؤول العسكري في حزب الله عماد مغنية في دمشق في عام 2008، إلا أن معظم هذه الجهود الإيرانية أحبطتها المخابرات الإسرائيلية، ولا يوجد ما يشير إلى أنها ستكون الآن أفضل حظاً.