كُنا قديماً نسمع بمصطلح "الأمن مقابل السلام"، اليوم طغت مسميات جديدة ومصطلحات ذات دلالات سياسية واقتصادية على قاعدة العصا والجزرة، فقد أضحت القضية الفلسطينية رهن أموال المقاصة، وباتت الرواتب مقابل السلام حُلماً للعديد من موظفي قطاعات السلطة الفلسطينية، وغداً ننتظر مصطلحات أخرى مثل، الغداء مقابل السلام، فتح المعابر مقابل السلام، الهواء مقابل السلام، لقد صدقت الجدة عندما كانت تقول عن أمراً لا يُعجبها "تبدلت غزلانها بقرودها"، ولا زالت قيادة السلطة الفلسطينية تُراهن على نجاح مساعيها في عقد جولات جديدة من المفاوضات من أجل التوصل لاتفاق سلام، وغاب عن حاضرها وماضيها أن ارضاء اسرائيل غاية لا تُدرك.

فاز جو بايدن بولاية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم الاطاحة بدونالد ترامب، وأعقب ذلك تحليلات سياسية حول مستقبل المصالحة الفلسطينية ، وغابت اللقاءات الثنائية ولقاءات التقارب عن المشهد الاعلامي، وحضرت من جديد بوادر الفشل التي تنتظر الاعلان فقط، بأنه لا مصالحة في ظل الوضع الراهن، وعلينا أن نبدأ من جديد ونعود لنقطة الصفر، ولكن القاهرة أرادت عكس ذلك، وأرسلت برقية عاجلة لعقد لقاءات مع ممثلي حركتي فتح و حماس ، بهدف البحث من جديد عن طوق نجاه، وفرض معادلات جديدة أمام ادارة جو بايدن القادمة، مفادها بأن مصر لا زالت تُمسك بخيوط المصالحة الفلسطينية، وهي الأقدر والأجدر على قيادة ملف التفاوض بين الحركتين.

نجحت فكرة القيادة الفلسطينية بالرهان على انتهاء الأربع سنوات من حكم ترامب، فقد نجحنا في الصمود والتحدي والتصدي، وكُل محاولات النيل من عزيمة القيادة الفلسطينية، ولكن ماذا خسرنا، فقد تم الاعتراف ب القدس عاصمة لإسرائيل، وتم نقل السفارة الامريكية إلى القدس، وتم اغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتم وقف أموال دعم السلطة و الاونروا ، وهذه ملفات هل تستطيع ادارة جو بايدن التراجع عنها؟

ما ستكشف عنه الأيام القادمة من حكم ادارة جو بايدن من التعامل مع السلطة الفلسطينية على قاعدة الرواتب والأموال مقابل السلام، ليس السلام على طريقة الشهيد ياسر عرفات، بل على الطريقة الامريكية والاسرائيلية الجديدة، فأوراق الضغط على السلطة الفلسطينية متعددة، في ظل تواطئ عربي مع مصالح دولهم على حساب القضية الفلسطينية.

وهذه احدى أدوات الضغط التي تُمارس على السلطة من حيث تمويل أنشطتها وبرامجها ورواتبها، في وقت أرهقت فيه السلطة الفلسطينية جيوب المانحين الأوروبيين من استمرار دعمهم المتواصل لموازنات السلطة، في وقت يبحثون فيه عن بدائل عربية لتمويل أنشطة السلطة وربما اقراضها مثلما فعلت دولة قطر.

سلاح جديد يُرفع في وجه السلطة الفلسطينية، ألا وهو المقايضة على استمرارها وارتباط ذلك بتمويل أنشطتها، والتلويح بالجزرة تارة وبالعصا تارة أخرى، خاصة بعدما أعلنت الحكومة الفلسطينية عن قيمة الدين العام المتراكم ، فقد وصل الدين العام حسب أحدث الاحصائيات الى 26 مليار شيكل، وتشير بيانات الميزانية الصادرة من وزاره المالية بشهر حزيران لعام 2020 أن الدين العام قد وصل ذروته بقيمة 10.6 مليار شيكل، ويتوزع الدين العام الى مديونية محلية وأخرى خارجية، حيث تحتل المديونية الداخلية قرابه 7 مليار شيكل أي قرابة 2 مليار دولار، بينما يحتل الدين الخارجي ما قيمته 4.5 مليار شيكل أي قرابه 1,3 مليار دولار، يُضاف إليها حوالي 16 مليار شيكل قيمه المتأخرات المالية على الحكومة الفلسطينية، والتراكمات المالية من عام 2019 ليصل الدين العام قرابة 26 مليار شيكل أي 7.6 مليار دولار امريكي .

المشهد مُظلم أمام رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية، فلا تزال أموال المقاصة محجوزة بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس منذ مايو الماضي، ولا معنى أمام استعادتها إلا قَبول تنفيذ صفقة القرن ، أو الموافقة عليها ضمنياً، بحيث تستطيع اسرائيل تحويل تلك الأموال بمجرد أن يطلبها الرئيس عباس وذلك يعني الموافقة على تنفيذ الصفقة وتراجع الرئيس عن قراره.

بالعودة إلى عنوان المقال، ما نخشاه أن يُطبق المصطلح ويُصبح دارجاً على لسان صُناع القرار، وتَحل علينا الكارثة التي اعتدنا عليها منذ أن حَل الانقسام وأصبح رفيق حياتنا إلى يومنا هذا، أم ستعود المسارات الى مكانها الصحيح الارض مقابل السلام، وننتظر من يفرض لنا قواعد الشهيد ياسر عرفات على الطاولة، ويرسخ قانون الحرب والسلام، وسلام الشجعان، وجئت ببندقية الثائر في يدي وغصن الزيتون في يدي الأخرى.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد