بقلم الباحث في الشئون السياسية/ د. رائد نجم
سيقول المتفائل ان المصالحة الفلسطينية يمكن ان تحظى بدفعة جديدة بعد ظهور نتائج الانتخابات الامريكية متكئاً على تفسير سائغ، وهو ان ادارة بايدن وحسبما اعلنت رسمياً بانها ستعود الى خيار حل الدولتين واللجوء للأدوات الدبلوماسية للجمع بين الطرفين الفلسطيني و الاسرائيلي. ومن أجل أن يكون الطرف الفلسطيني جاهزاً لهذه المرحلة سيسمح بتجديد شرعيات المؤسسات المنتخبة ليكون الطرف الفلسطيني ممثلاً للجميع في المفاوضات ومدعوماً منه، وهذا يعني وضع اتفاقيات المصالحة موضع التنفيذ وتجاوز حالة الجمود والانقسام. صحيح ان المؤسسات القائمة تتمتع بالشرعية اللازمة التي تمنحها م ت ف بصفتها المنشئ للسلطة، الى جانب تسليم جميع الفصائل للقيادة الفلسطينية بإدارة العملية السياسية خاصة بعد ما أبدته من صمود في وجه صفقة القرن ، وخطة الضم، ومسار التطبيع، الا ان التجديد سيبقى مطلباً ضرورياً من وجهة نظر اوربية وامريكية خاصة وان بايدن يعتبر ان احد مهام ادارته هي اعادة الزخم للديمقراطية على مستوى العالم.
ولكن المتتبع لسياسة ادارة اوباما التي كان بايدن نائبا للرئيس فيها يجد انها قادت مفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي مع وجود الانقسام، ومع محاولات حماس نزع شرعية التمثيل عن القيادة الفلسطينية. وادارت ادارة اوباما الصراع دون ان تفرض اتمام المصالحة، او اجراء الانتخابات، وهذا ما يثير التساؤل مجدداُ حول مصير المصالحة، فهل سيكون نجاح بايدن سبباً في تسريعها؟ ام ستبقى تراوح مكانها في اطار سياسة بايدن التي لا يعتقد ان تتجاوز ديناميكيات ادارة الصراع دون حله مع بعض الخطوات العكسية باستثناء نقل السفارة مرة اخرى الى تل ابيب والتي ستحتاج الى قانون جديد يبطل قانون عام 1995 الخاص بنقل السفارة.
لذلك يمكن الاستنتاج ان المصالحة قد لا تكون اولوية او محل اهتمام امريكي وفقاً لتجربة الادارة السابقة، الا ان هناك عوامل قد تدفع بحماس نحو المصالحة تتعلق بما سيترتب على تولي ادارة امريكية جديدة اكثر مما يتعلق باهتمام هذه الادارة ذاتها بتحقيقها، خاصة وان برنامج حماس السياسي المعلن في وثيقة مايو 2017 اقترب من برنامج م ت ف بقبول دولة فلسطينية على حدود 1967.
لم تتعجل حماس المصالحة في زمن اوباما وراهنت كثيراً على صعود الاسلام السياسي الى الحكم في دول المنطقة، في اطار عمليات تغيير الانظمة التي تبنتها ونفذتها ادارة اوباما لإعادة هندسة المنطقة جيوسياسياً. وذلك كان من شأنه ان يعطيها افضلية في المشهد الفلسطيني لتكون بديلاً، ويعزز من سيطرتها على النظام السياسي الفلسطيني، فكانت المصالحة تتعارض مع مشروع تدشين اول امارة تحت حكم الاخوان المسلمين، وتخالف طموح تركيا وقطر في الهيمنة الاقليمية بتصعيد جماعة الاخوان لحكم المنطقة، ومنها حركة حماس ذات الاهمية الخاصة نظراً لما تمثله القضية الفلسطينية من اهمية لدى أي قوة اقليمية تسعى للهيمنة الاقليمية.
كانت ادارة اوباما قد راهنت على تركيا لتكون بمثابة قلب جيوسياسي للمنطقة يحول دون دخول أي قوة دولية صاعدة للمنطقة ومزاحمة النفوذ الامريكي فيها او اضعافه. علاوة على قدرة المنطقة في ظل الهيمنة التركية من توسيع حزام التوتر الى حدود روسيا بل والى قلبها، وكذلك الى حدود الصين لتتمكن الولايات المتحدة من الخروج الامن شرقاً لحصار الصين المهدد الصاعد للهيمنة الامريكية في العالم. ولكن الحال تبدل اليوم فلم تعد تركيا قبل عقد هي تركيا اليوم، ولم تعد المواقف الامريكية من تركيا هي نفس المواقف السابقة، فقد وصف بايدن الرئيس التركي بالمستبد، وهناك شكوك لدى المؤسسات الامريكية في سلوك تركيا الذي اضعف المعايير الديمقراطية وحقوق الانسان.
وكذلك هناك ملفات كثيرة وترت العلاقات الامريكية التركية منها حصول تركيا العضو في حلف الناتو على منظومة S400 الروسية رغم الرفض الامريكي، وهو ما قد يؤدي الى فرض عقوبات على تركيا بعكس ادارة ترامب التي امتنعت عن فرض عقوبات عليها، والتقارب مع روسيا، والعمليات التركية المستمرة في سوريا، ومواجهتها مع اليونان وقبرص والاتحاد الاوروبي حول حقوق التنقيب في شرق المتوسط، وطموحاتها البحرية في شرق المتوسط، ودعم اذربيجان في نزاعها مع ارمينيا على اقليم ناغورنو قره باغ. وهذه عوامل تضعف من فرص تبني ادارة بايدن لاستراتيجية اوباما وتفعيلها. أي ان فكرة صعود الاسلام السياسي مجدداً لحكم المنطقة تحت الهيمنة التركية قد لا يكون خياراً مطروحاً مجدداً. وقد تلجأ الولايات المتحدة الى دعم المعارضة التركية لتغيير النظام لحاجتها للدور التركي في مواجهة ايران وروسيا ولكن بما يتفق مع مصالحها ورؤيتها.
كما أن فقدان الثقة في قوى الاسلام السياسي، وتبني جماعات منها للعنف المسلح، الى جانب ضعف قدراتها في الادارة والتعامل مع الازمات الداخلية افقدها البريق لتكون بديلاً مريحا للسياسة الامريكية، لذلك قد تراهن على دعم المستقلين والقوى الليبرالية خاصة مع تراجع التأييد الشعبي لقوى الاسلام السياسي.
قد تكون عودة ادارة بايدن للاتفاق النووي دافعاً اخراً يضغط على حماس نحو المصالحة، حيث تؤمن ادارة بايدن بالعودة للاتفاق وتوسيعه ليتضمن برنامج الصواريخ البالستية، ومعالجة تدخلات ايران في المنطقة التي اقلقت دول المنطقة وتم توظيفها من قبل ادارة ترامب من اجل بناء محور لاحتواء ايران من خلال ما عرف بمسار التطبيع. حيث سيتم الضغط على ايران في الاتفاق لوقف دعمها للمليشيات التابعة لها وللمنظمات الفلسطينية ومن ضمنها حماس في اطار الاتفاق الجديد، ما سيعزز من فرص توجه حماس للمصالحة.
علاوة على ان تفكيك الازمة في الخليج واعادة العلاقات بين دول الخليج مع قطر سيكون عامل ضاغط نظراً لأنه سيترتب عليه التزام قطر بوقف دعم حماس باعتبارها احد فروع جماعة الاخوان التي اعلنت المملكة العربية السعودية بانها تمثل الى جانب ايران والجماعات الارهابية مثلث الشر في المنطقة،
وهكذا يمكن القول أن سقوط رهان حماس على عودة المشروع التركي الاخواني للواجهة؛ والتقارب الامريكي الايراني المحتمل؛ الى جانب ضعف فرص قوى الاسلام السياسي في ان تكون بديلاً نظراً لتراجع ثقة الجماهير العربية في المنطقة بقدرتها على معالجة ازمات المنطقة؛ وعودة م ت ف والسلطة مرة اخرى كفاعل مهم ومرحب به في ظل اعادة الحياة لحل الدولتين؛ وتجنب التعرض لمزيد من العزلة خاصة مع فكفكة ازمة الخليج ووضع مزيد من القيود على استمرار تقديم الدعم المالي القطري لها؛ كلها عوامل ستؤثر على مواقف حماس وتقربها من المصالحة حتى لا تكون خارج أي ترتيبات جديدة. وسيكون الطرف الوحيد الذي سيستمر في الضغط لإفشال جهود المصالحة هو الاحتلال الذي سيرى فيها خطوة فلسطينية لعزله دولياً خاصة مع سعي الادارة الأمريكية الجديدة للعودة الى حل الدولتين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية