في لقاء متلفز اتهم الرئيس محمود عباس حركة حماس بأنها تسعى لفصل قطاع غزة عن جسد الدولة الفلسطينية، وإقامة دولة غزة وفقًا لمخطط جيورا إيلاند، فما هو مخطط جيورا إيلاند؟، وهل ما تسرب من معلومات بشأن اتفاق التهدئة يأتي في سياق ذلك المخطط؟، وما هي مخاطر إنشاء كيان بغزة على المشروع الوطني؟، ومن هو الطرف الحقيقي الذي يفصل قطاع غزة عن الوطن؟
نشرت صحيفة (يديعوت أحرنوت) يوم 6/5/2004م خطة جيورا إيلاند رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تتضمن الخطة تسوية إقليمية وتوسيع قطاع غزة نحو سيناء، والضفة الغربية نحو غور الأردن، مقابل ضم 11% من أراضي الضفة إلى أراضي الـ(48).
البيئة الزمانية للخطة جاءت في سياق الجدل الدائر حينها داخل الكيان العبري حول نية رئيس الحكومة آنذاك آرئيل شارون الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، وأهم معالم خطة جيورا إيلاند: انسحاب الاحتلال من قطاع غزة، وإخلاء مستوطناته، على أن تخصص مصر للفلسطينيين منطقة تبلغ مساحتها 600 كيلو متر مربع، بطول 30 كيلو متر على طول الحدود المصرية مع أراضي الـ(48)، وبعرض20 كيلو متر مربع داخل سيناء، ما يضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات، وفي المقابل تحصل مصر على أراض بديلة بمساحة 200 كيلو متر مربع في منطقة وادي فيران في النقب، إضافة إلى نفق يربط مصر بالأردن ربطًا بريًّا، وأن يكون هذا النفق تحت السيادة المصرية، أما الأردن فإن الخطة تعطيها إمكانية الوصول بحرية إلى البحر الأبيض المتوسط من النفق نفسه إلى ميناء غزة بعد استكماله وتشغيله، كما تحصل السعودية والعراق على مخرج إلى البحر المتوسط بالطريقة نفسها، من جهة أخرى إقامة ميناء كبير وعميق للفلسطينيين في غزة باستثمار دولي، إضافة إلى إعادة تشغيل المطار المدمر في منطقة رفح، على أن تتولى مصر والأردن والولايات المتحدة صلاحيات الرعاية في المناطق الفلسطينية.
ما سبق هي خطة جيورا إيلاند التي يتهم الرئيس عباس حركة حماس بتطبيقها في غزة، فهل ما تقوم به حركة حماس يأتي في سياق ذلك المخطط في ضوء ما تسرب من معلومات عن اتفاق تهدئة يلوح بالأفق، وجاءت التسريبات على النحو التالي:
أولًا: فتح كل المعابر حول قطاع غزة.
ثانيًا: إدخال كل البضائع اللازمة للقطاع، وعدم وضع حظر على أي منها.
ثالثًا: السماح بحرية الاستيراد من قطاع غزة والتصدير إليه.
رابعًا: السماح بإنشاء الميناء والمطار في قطاع غزة، وذلك بناء على ما اتفق عليه في الاتفاقيات الموقعة.
خامسًا: توضع مذكرة تفصيلية بالبند رقم 2.
وشمل البند الثاني من الورقة المقترحة ثلاث نقاط: أولًا: تحديد مدة التهدئة بتوافق الطرفين، ثانيًا: لا تمدد أو تقصر مدة التهدئة إلا بتوافق الطرفين، ثالثًا: يمكن أن تكون مدة التهدئة من ثلاث إلى خمس سنوات، تبدأ من توقيع الاتفاق.
ويبقى السؤال عن ماهية التقاطع بين خطة جيورا إيلاند واتفاق التهدئة المسرب، لا يوجد أي بند في اتفاق التهدئة المسرب يفيد بالحصول على أراضٍ من سيناء، أو تحديد مكان الميناء وفق الخطة الإسرائيلية، وكل ما في الأمر هو تحقيق مطالب المقاومة الفلسطينية التي تبناها الوفد الفلسطيني الموحد خلال مفاوضات القاهرة؛ فلماذا كل هذا الغضب يا فخامة الرئيس؟!؛ فلا يوجد فلسطيني واحد من غزة يقبل فصل غزة عن الوطن، ولا أي حل على حساب الشقيقة مصر، في المقابل يريد شعبنا بقطاع غزة أن يعيش، وأن يتوج انتصاراته في ميدان المعركة بترجمات على الأرض؛ فغزة هي درة تاج المشروع الوطني كما هي القدس والضفة الغربية، ولو افترضنا جدلًا صحة أقوال الرئيس عباس بأن حماس تؤسس لدولة غزة وانفصالها عن جسد الوطن؛ فماذا فعلت القيادة الفلسطينية ممثلة بفخامتكم لمنع ذلك؟
يا للأسف!، هناك تقصير واضح من فخامتكم، وهناك قرارات وسلوكيات خطأ تساهم في فصل غزة عن الوطن؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر:
1- عندما تصدر نشرة الترقيات للعاملين بالأجهزة الأمنية والشرطية خلال الحرب الأخيرة في الضفة الغربية، ويحرم ضباط غزة الرتب المستحقة؛ أليس في ذلك فصل من الناحية الإدارية للضفة عن غزة؟!
2- من يقطع الرواتب ويمارس الابتزاز في ملف الإعمار؛ أفلا يساهم في الفصل؟!
3- من يجلب 70 مليون دولار حصيلة الضرائب المستحقة للسلطة على البضائع التي تدخل غزة، ويمنع التعيينات عن غزة منذ 8 سنوات؛ أفلا يساهم بالفصل؟!
4- عندما تقرر وزيرة التعليم منع الوظائف لهذا العام في غزة وتسمح بها في الضفة أليس ذلك فصلًا؟!
5- عندما يحرم موظفو الخارجية بغزة التعيين بالسلك الدبلوماسي إلا حالات نادرة وفردية أليس ذلك فصلًا؟!
6- عندما تقمع المسيرات المدافعة عن غزة خلال الحرب ألا يساهم ذلك بالفصل؟!
وأقول لكل حريص على المشروع الوطني: ابحث عن (أوسلو) ونتائجها وتداعياتها على مجمل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فليست (أوسلو) هي المشروع السوي الذي ينبغي الالتفاف حوله.
خلاصة القول: في ظل تنكر حكومة التوافق، والرئيس أبي مازن لحقوق غزة؛ إنني مع دراسة أي مشروع من شأنه التخفيف عن سكان غزة، وطرحه على طاولة البحث لفصائل المقاومة؛ لتقرر ما تراه يصب في المصلحة العامة، فمن حق غزة أن تعيش.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية