نُقل عن ليفي أشكول، ثالث رئيس وزراء في إسرائيل قوله "إنّ إسرائيل تصاب بالتهاب رئوي عندما تعطس أميركا" في مقاربة تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية وارتباط إسرائيل حاضراً ومستقبلاً بالولايات المتحدة ليس كتابع بل كشريك، وهو الأمر الذي ظل حقيقة دامغة بصرف النظر عن ساكن البيت الأبيض، ديمقراطياً أم جمهورياً يظل الالتهاب الرئوي أقل قليلاً أو أكثر كثيراً، لكن الحقيقة الدامغة غير القابلة للشك من قريب أو بعيد تظل المؤشر الفاعل لهذه العلاقات.


لذلك لا نجد أي غرابة في نتائج استطلاع للرأي أجرته قناة "إسرائيل 24" قبل أيام حول توجهات الرأي العام الإسرائيلي إزاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث تبين أنّ نصف المستطلعين يتابعون باهتمام بالغ هذه الانتخابات، في حين أن ثلثي النصف الثاني يتابعها بشكل عام، ولم تكن هناك أي مفاجأة في أنّ ثلثي هؤلاء يأملون بفوز ترامب بينما رغبت نسبة 19% بفوز بايدن الذي في حال فوزه سيؤثر تأثيراً سلبياً ويشكل ضرراً لإسرائيل حسب نصف المستطلعين.
وخلافاً لرغبة الأغلبية الإسرائيلية هذه، فإن قادة الرأي لدى الدولة العبرية أخذوا بقرع جرس الإنذار، ذلك أن معظم المؤشرات تتجه نحو احتمالات اكبر لفور بايدن، وعلى إسرائيل في هذه الحال أن تأخذ ذلك بالاعتبار وتضع السيناريوهات والخطط للتعامل مع إدارة أميركية جديدة بزعامة بايدن، والتي من شأنها أن تؤثر تأثيراً مباشراً على العلاقة مع إسرائيل، سياسة جديدة لن تخرج بأي حال من الأحوال عن العلاقة الاستراتيجية بين الجانبين، إلاّ أن هذه السياسة قد تكتسب ملامح وسياسات تفصيلية مختلفة عمّا كان الأمر عليه مع إدارة ترامب، وذلك يتوقف على عوامل إضافية مثل تركيبة الكونغرس الجديد من ناحية ومواقف الجناح الراديكالي الشاب في الحزب الديمقراطي، ذلك أن هناك توقعات أن يواصل الحزب الديمقراطي هيمنته على مجلس النواب كما هو الأمر عليه إبان زعامة ترامب حتى الآن، إلا أن هناك متغيراً محتملاً أكثر تأثيراً، إذ من المتوقع ان يتحكم الحزب الديمقراطي أيضاً بمجلس الشيوخ بنتائج الانتخابات الجانبية المترافقة مع الانتخابات الرئاسية وذلك خلافاً عمّا هو عليه الآن وإبان زعامة ترامب، وهذا يعني في حال تم ذلك أن يكون هناك انسجام بين الرئيس الديمقراطي والكونجرس الديمقراطي بمجلسيه إزاء مختلف السياسات والملفات بما فيها الملف المتعلق بالعلاقة مع اسرائيل، الأمر الذي سيخفف من قدرة هذه الأخيرة على ابتزاز كل من الرئيس والكونغرس كما هو الأمر عليه الآن.


في سياق السياسات المتوقعة فإن بايدن لن يعيد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، لكنه سيعيد فتح القنصلية الفلسطينية في شرقي القدس وإعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الذي سبق وأن أغلقه ترامب، كما من المتوقع أن يقرر استئناف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية ولوكالة الغوث.
تخوّف أصحاب الرأي من وصول بايدن إلى البيت الأبيض وسيطرة الديمقراطيين على مجلسي الكونغرس يعود إلى مقارنة مع ما كان الأمر عليه عندما كان أوباما يسكن البيت الأبيض، ذلك أنه اعتمد حالة تشير إلى أن سياسة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط تعود إلى أسباب عديدة أهمها الاستيطان الإسرائيلي، وأن السلام لن يتحقق بهذه المنطقة من العالم إلاّ من خلال حل الدولتين، لذلك يرى هؤلاء أن على إسرائيل إقناع بايدن بأن نجاح عملية التطبيع العربي مع إسرائيل يشير إلى حقيقة أن السلام ممكن من دون الجانب الفلسطيني، وأن على هذه الإدارة الجديدة تشجيع التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل للتوصل إلى استقرار في المنطقة، الأمر الذي من شأنه الضغط على الفلسطينيين للوصول إلى سلام مع إسرائيل دون دفع أي ثمن من جانب الدولة العبرية.
الملف الإيراني هو أيضاً مجال للتخوف من قبل هؤلاء، ذلك أن بادين أعلن أنه سيُجري مفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاق جديد.
نتنياهو لن يتضرر كثيراً من وصول بايدن، بنظر هؤلاء المحللين أنّ نتنياهو نجح في تشكيل شخصيته "كملك إسرائيل" عندما تحدى إدارة أوباما وشاكسها بما جعله نداّ قوياً يواجه الإدارة الأميركية، مع بايدن سيعاد هذا الألق لنتنياهو متحدياً ومشاكساً، وهو الدور الملائم له أكثر من كونه تابعاً كما كان عليه الأمر مع ترامب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد