لا أريد استباق الأحداث، لكن بات واضحا أن طرفي المعادلة حركتي فتح و حماس تجاوزتا مخرجات البيان الختامي لإجتماع الامناء العامين، الذي عقد بداية الشهر الجاري، وما تم الإتفاق عليه من تشكيل لجان منحت تفويضا كاملا من الرئيس محمود عباس وفقاً للراوي، وتذهبان للبحث في اتفاق على شراكة ما، غير واضحة المعالم، غير قائمة على اعادة الاعتبار للمشروع الوطني، واعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بالشراكة مع الكل الفلسطيني.
كل ما قيل من جمل منمقة وكلمات جميلة حول الوحدة والشراكة بقي كلام في كلام حتى الأن، وشعارات تعمق فقدان الناس الثقة في النظام السياسي الفلسطينيي وقيادته، وتزيد من غضب الفلسطينين في طريقة التعامل مع ما أصاب القضية الفلسطينية من ضرر جسيم. خلال الأسابيع الماضية عقدت عدة اجتماعات ثنائية بين الحركتين، وأول أمس الاثنين توجه وفد من حركة فتح الى تركيا لاستكمال اللقاءات التي عقدت سابقا مع مسؤولين من حركة حماس.
وفي ظل ما يدور في المنطقة العربية من ظهور محاور جديدية قديمة تشكلت وتشكل بعضها بصورة علنية، وفلسطيين بنظامها السياسي المنقسم في قلب هذه المحاور منذ زمن، وبدت تتخذ هذه المحاور أشكال وتحالفات أعمق وأبعد من العمق العربي، كما رأينا في التحالف الجديد العلني بعد التوقيع على الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي والذي وضع إسرائيل مباشرة في قلب هذه المحاور من دون وجس وخجل.
أخشى كما غيري أن يكون تكثيف الإجتماعات بين الخركتين قائم على هذا الأساس، ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه بشكل آني، أو قد يكون الإتفاق على صيغة ما لإدارة الإنقسام أو التقاسم الوظفي بين الحركتين لما تبقى من السلطة الفلسطينية الضعيفة والآيلة للسقوط. في وقت كانت السلطة تتهم فيه حركة حماس بأن رؤيتها التي تستند عليها للمصالحة هي التقاسم الوظيفي، يبدو أن هذه رؤية الحركتين اللتان تنكرتا لمخرجات اجتماع الامناء العامين.
ويبدو أن هناك توجس من قبل الرئيس محمود عباس من فقدان الشرعية، ويتجه نحو أجراء إنتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة لترميم شرعيته وشرعية السلطة الوطنية الفلسطينية، وليست شرعية البيت الجامع للكل الفلسطيني، ومع أهمية إجراء انتخابات لتجديد الشرعيات، لكن أي إنتخابات التي ستجرى ونتائج انتخابات 2006 اثاراها على جلود الفلسطيين؟ وأي شرعيات قد تتجدد من دون تجديد في الدماء والاشخاص؟ ومن يضمن تجديد المشروع الوطني، وهل تجديد المشروع الوطني يبدأ عبر بوابة تجديد شرعية السلطة فقط؟ والتي عملت اسرائيل على اضعافها وجعلتها بطريقة أو أخرى أداة سيطرة على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة لقمعهم وليس تمثيلهم وصيانة حقوقهم.
في تقرير لمعهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي صدر قبل يومين، وللاجابة على سؤال حول أهداف الإمارات للتطبيع مع إسرائيل. ذكر التقرير أنه بالنظر إلى إقتراب موعد الإنتخابات الأمريكية، فإن لكل من الإمارات وربما البحرين مصلحة في تحقيق إنجازات استراتيجية مع إدارة ترامب، لا سيما عقود توريد الأسلحة المتقدمة والإتفاقيات الإقتصادية، والتي لن تكون قابلة للتحقيق بالضرورة إذا كانت الإدارة المقبلة في الولايات المتحدة ديمقراطية.
من الناحية الإستراتيجية، تشعر الإمارتان الخليجيتان بقلق عميق من تعزيز محورين متنافسين في الشرق الأوسط: الأول، المحور الإيراني الشيعي، الذي لا يخشى التحديات الاقتصادية والأمنية في الخليج العربي / الفارسي، وهو تحد متزايد بسبب حظر الأسلحة على إيران والتقارب الأخير بين إيران والصين والثاني محور تركيا قطر، الذي يعمل على بسط نفوذ من الخليج العربي إلى شمال العراق عبر شمال سوريا.
إضافة ما يجري من صراع في شرق البحر المتوسط وليبيا (حيث القوات الإماراتية وتركيا على وشك مواجهة عسكرية)، في مواجهة هذين المحورين، وفي ظل الإتجاه إلى تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، تهدف الإمارات العربية المتحدة إلى إنشاء محور موازنة للدول السنية البراغماتية، التي تسعى لتحقيق الاستقرار الإقليمي، والتي ستشمل إسرائيل أيضاً، تعزيز العلاقات مع إسرائيل على توسيع نطاق الفرص والنفوذ لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعتقد قيادتها أنه يجب عليها ترسيخ مكانتها الإقليمية، بما في ذلك تشغيل جيش بعيدًا عن الوطن والعمل كوسيط في النزاعات الإقليمية.
كما إن إقامة العلاقات مع إسرائيل يتيح لها موطئ قدم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفرصة لإبعاد قطر عن قطاع غزة، وكذلك تركيا من الحرم القدس ي، مع تجاوز المملكة العربية السعودية، التي ضعف مكانتها الإقليمية والدولية في العامين الماضيين.
وحسب ما ذكره تقرير معهد ادراسات الامن القومي الاسرائيلي أن الجانب الفلسطيني هو الأكثر تضرراً من توجهات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج، ولم تنجح القايدة الفلسطينية وفشلت في توجيه رسالة إدانة لـ "اتفاق إبراهام" في الجامعة العربية، كما أنها لم تستنهض الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتجاج الشعبي.
ويضيف التقرير إن التطور الإيجابي بين إسرائيل ودول الخليج يسلط الضوء على الأزمة الاستراتيجية التي تجد السلطة الفلسطينية الضعيفة والمذلة نفسها فيها.
يمكن اعتبار القضية أيضًا دليلاً على فشل المسار السياسي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تدرك حماس في الأحداث أنها فرصة لتعزيز موقعها السياسي والاندماج في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، مؤكدة على أهمية سياستها، المقاومة وبرزت هزيمة عباس خلال جولة إسماعيل هنية ، زعيم حماس، في مخيمات اللاجئين في لبنان، التي تعتبر معقلا لحركة فتح، شكلت تحديا لحكم فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.
ومن الغريب أن التقرير حذر إسرائيل من الفرح بفي ضعف السلطة الفسطينية، وذلك لأن الأزمة الفلسطينية والضعف قد يدفعان إلى توحيد الصفوف بين السلطة الفلسطينية وحماس، وعدم الاستقرار في ساحة الصراع، وتصعيد العنف و"الإرهاب".
وقد أوصى التقرير المذكور اسرائيل بالقول، وعلى الرغم من تراجع الدعم للقضية الفلسطينية على الساحة الإقليمية، يجب على إسرائيل الامتناع عن زيادة إضعاف السلطة الفلسطينية وإبراز فشلها، وعلى اسرائيل أن تعمل على الترويج لاجراء تغييرات في البنية التحتية الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، والتي ستنجم عن الاتفاقية.
في ظل الاختراق والانجاز السياسي المهم الذي حققته اسرائيل بالتحالف مع الامارات وتوقيع اتفاق تطبيعي في مجالات امنية وعسكرية واقتصادية. وعلى الرغم من تراجع الدعم للقضية الفلسطينية على الساحة العربية، وتنصل غالبية الدول العربية من التزاماتها القومية والمالية ولم تشكل شبكة اماني مالي لدعم القضية الفلسطينيةـ هذا يجب أن يدفع القيادة الفلسطينية إلى اتخاذ قرارات مصيرية بتغيير النهج القائم واشراك جميع الفلسطينيين في استنهاض المشروع الوطني الفلسطني بعيدا عن سياسة المحاور.
إسرائيل معنية ببقاء السلطة الوطنية ضعيفة وتحت السيطرة خدمة لمصالها، واتمام المصالحة اولوية وطنية جماعية، وليسيت ثنائية من دون اشراك اي من الاطراف الفلسطينية الاخرى، وهذا ما يقع على عاتق حركة حماس أيضاً، وأن تبحث في المصلحة الوطنية وليس الحزبية وسياسة المحاور التي دفع الفلسطييين ثمنها من أجل سلطات بائسة اعاقت تحقيق الفلسطينيين اهدافهم بالحرية والتحرر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية