تحتفظ الذاكرة الفلسطينية، لبعض أشهر السنة بذكريات حزينة، منها شهر أيار، الذي حدثت فيه النكبة عام 48، وشهر حزيران الذي وقعت فيه نكسة العام 67، وكذلك شهر أيلول الحالي، الذي وقعت فيه أحداث أيلول العام 70، ومذبحة صبرا وشاتيلا عام 82، وها هي تقع فيه كارثة سياسية بيد ذوي القربى، فتكون أشد مضاضة، ذلك ان الغدر بيد الأعداء يكون متوقعاً، لكن اعتداء الأخ والشقيق، يكون بمثابة طعنة في الظهر، لأنه في الوقت الذي يفترض فيه ان يشد أخوك وشقيقك من أزرك وأنت في ضائقة الاحتلال، تفاجأ به يفعل بك ما يفعله العدو، لا الصديق ولا الأخ.
قبل أيام قليلة من حدث توقيع الإمارات لاعترافها بعدو يحتل أرض فلسطين وأراضي عربية أخرى، سارعت دولة البحرين، وقبل أن يفيق الشعب الفلسطيني من صدمة الإمارات، بالإقدام على ارتكاب الجرم نفسه، بكل صلف، مدعيةً كما سابقتها، بان ذلك الموقف ما هو إلا قرار ينطبق عليه منطق سيادة الدول، ولا نعرف من الذي أقنع هؤلاء، بأن سيادة الدول، تعني ضرب الحائط بمصالح الأخوة والأشقاء، بل وبمصالح الأمة العربية التي ينتمون اليها، بل وهم لا يعلمون بل ويقامرون بمصالحهم نفسها، ذلك أن جلب إسرائيل بقواعدها العسكرية، وتواجدها الأمني والسياسي، ووضعها على تماس مع إيران، التي سترى في ذلك فعلاً معادياً لها، هذا من جهة ومن جهة ثانية، سيعزز رغبتها بوضع يدها على الجارتين، بعد أن صارتا معزولتين عن المحيط العربي.
لا شك أن مكانة كل من نظامي الإمارات والبحرين لدى أربعمائة مليون عربي ونحو مليار مسلم، لن تعود كما كانت، خاصة في قلوب الشعوب العربية والمسلمة، بعد ان فضلت التحالف والاصطفاف على جانب العدو، على الوقوف الى جانب الأخ الشقيق المظلوم، من قبل هذا العدو بالذات، ونحن هنا لا نقول الكلام جزافاً، فليس هناك من قضية يجمع عليها العرب والمسلمون أكثر من قضية فلسطين، التي باتت بعد اتفاقي الإمارات والبحرين، وبعد موقف الجامعة العربية، قضية المسلمين أكثر مما هي قضية العرب.
غني عن القول، إن العرب فرادى ومجتمعين لم يعودوا، عنصراً يؤخذ بعين الاعتبار، نظراً للفرقة فيما بينهم، لذا فإن الشرق الأوسط الغني بالنفط والغاز، بات ساحة صراع، قد تتحول قريباً إلى ساحة حرب شاملة بين دول إقليمية ثلاث، هي: إسرائيل وإيران وتركيا، ما يؤكد ذلك هو ان إسرائيل بعد أن أفرغت العرب من مراكز القوة في العراق، ثم سورية بالقوة العسكرية، ومن قبلهما مصر بالقوة السياسية، تشن حرباً سياسية على إيران، مستعينة بأميركا، حتى تخرجها من دائرة المنافسة، كذلك تركيا تعالجها بالاقتصاد، من خلال ضرب أميركا لقوة الليرة التركية، وكل ذلك حتى تخلو ساحة الشرق الأوسط من أي منافس لإسرائيل، لتحقق همينتها ومشروع إسرائيل الكبرى، اقتصادياً، ولوجاً من بوابة الشرق الأوسط الجديد، التي دعا لها شمعون بيريس قبل ثلاثة عقود خلت، وهذا يعني تأجيج الأطماع الإسرائيلية، ليس في الأرض الفلسطينية وحسب، بل وفي المال العربي والثروات العربية، ولن يطول الوقت، حتى تبدأ إسرائيل بالمطالبة بأراض في الأردن، اليمن، العراق، وحتى في مكة والمدينة، فمن يقول بحق له في فلسطين، بناء على وعد توراتي منذ خمسة آلاف عام، لن يتردد لحظة في المطالبة بميراث بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير في يثرب!
والمهم أنه في حال اندلاع حرب بين هذه الدول الإقليمية الثلاث، عسكرية او اقتصادية، فانه كما كان حال الحرب العالمية الثانية، ستكون الأرض والدول العربية هي ساحة القتال، وهي ستكون الأرض المحروقة، الى ان ينتصر احد الأطراف الثلاثة، او الى ان تتوافق الدول الثلاث، فيما بينها على توزيع الكعكة العربية، وها هي إيران موجودة في العراق وسورية، وها هي تركيا موجودة في سورية وليبيا، وإسرائيل تحتل فلسطين والجولان ومزارع شبعا، ولا أحد من العرب قادر على قول كلمة حق، ولو بلسانه وذلك اضعف الإيمان.
ان إقدام نظامي البحرين والإمارات على التضحية بفلسطين، بهدف «تحقيق مصالحهما الخاصة» يشبه ما كان يفعله المصريون قبل آلاف السنين من إلقاء أجمل الفتيات في النيل، لتجنب الفيضان، او يشبه ما تقوم به القافلة التي لا تقوى على مواجهة الضبع، بإلقاء أحد أفرادها له، لكن الغول الإسرائيلي لا يشبع، ومن يضحي بأخيه اليوم، سيكون حاله كما هو حال الثور الأسود، الذي لم يقف مع أخويه الأبيض والأحمر حين هاجمهما الأسد تباعاً، وسيقول «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض» .
المهم ان الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء بعد أي كارثة، لكن خذلان الأشقاء العرب، حيث منهم من قام بفعل التطبيع الشائن بشكل صريح، ومنهم من أيد ومنهم من صمت، سيحدث انقلاباً في تحالفات الشعب الفلسطيني الحر، حيث سيجد في أحرار العالم أشقاءه الحقيقيين، وسيعترف فقط بالشعوب العربية أشقاء له، ولن يثق بعد اليوم ولا بنظام عربي مستبد، فالذي يقهر شعبه لا يمكنه لا أن يكون حراً، ولا أن يتضامن او يناصر حقاً، لا في فلسطين ولا في غيرها، وبعد اليوم، لن يرى الشعب الفلسطيني في جامعة الأنظمة العربية، لا إطاراً ولا حليفاً، كما كان حال أميركا من قبل، وما دامت البحرين والإمارات تتحالف مع إسرائيل وتعتبر ايران عدواً لها، كذلك تركيا، فإن فلسطين سترى في ايران وتركيا حليفاً وفي الصين وروسيا، وكما رأوا في عدو العدو صديقاً، سترى فلسطين في أعداء إسرائيل وخصوم نظامي الإمارات والبحرين أصدقاء.
هكذا تتحول حرية فلسطين الى بند من حرية الشعوب العربية من أنظمتها، والى بند من حرية العالم كله من الهيمنة الأميركية، وجزءاً من كفاح الشرق الأوسط كله، لوضع حد لأطماع التوسع الإسرائيلي، وما هي إلا بضع سنين، حتى يكتشف الجميع، بأن الفاشية الإسرائيلية، ما هي إلا عدو للبشرية والإنسانية كلها، وفي مقدمتها الشرق الأوسط بشعوبه ودوله التي ابتُليت بحكام صغار عابرين في زمان عابر، لا يرون ابعد من أنوفهم، ولا يتحركون إلا بدافع حماية كراسيهم.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد