كأنه يجلس على شيء لا يحتمل الجلوس عليه لمدة أطول، يعلن ملك البحرين عن انضمامه للتحالف الأميركي - الإسرائيلي، فوزير خارجيته كان من السباقين في الدعوة للتحالف مع إسرائيل، وعاصمة بلاده استقبلت مؤتمر «السلام»، الذي دشّن هذه المرحلة.
يعرف المسؤولون في البحرين أن قرار الإعلان عن إقامة علاقات شاملة مع إسرائيل، لا يستحق أن تنظم لإعلانه احتفالات إضافية في البيت الأبيض، لذلك قرر ألا يضيع فرصة الاحتفال الذي سيجري تنظيمه يوم غد.
الدول الأكثر وزناً وأهمية، والتي تنتظر دورها في الإعلان عن الاستسلام للإرادة الأميركية والانضمام للتحالف، لا تقبل الالتحاق بالاحتفال، وربما يقتضي تضخيم الفوز الذي يحققه ترامب، ونتنياهو، أن يتم تنظيم احتفالات أخرى قبل الانتخابات الأميركية.
الأرجح أن هذه الهرولة نحو دخول بيت الذئب، لا تعود إلى نقص الوعي بالمخططات الأميركية الصهيونية، لكنه الخوف والهلع والخضوع للتهديدات من باب أفضل الخيارات لتجنب غضب الذئب الجائع.
وزير داخلية البحرين كان وقحاً في الإعلان عن الحقيقة، حين وصف قرار ملكه بالشجاع، وبأنه ضمانة الاستقرار والازدهار، ويلبي المصلحة الوطنية للبحرين. لم يأتِ على ذكر الفلسطينيين وقضيتهم وحقوقهم كذريعة لاتخاذ قرار الانهيار السياسي والأخلاقي والتاريخي.
واضح أن القضية الفلسطينية دخلت منعطفاً حاداً وخطيراً، بعد انهيار منظومة الأمة العربية وقيمها.
الرسمية العربية تحولت إلى كيانات وطنية، ومذهبية وطائفية، تضرب في العمق، كل ما يمكن أن يرفع مكانة الأمة العربية، التي تمتلك من الطاقات ما يجعلها توسع لها مكاناً قوياً بين الأمم.
على كل حال لم يكن ذلك مسموحاً به من قبل القوى الاستعمارية، التي قوضت ما تبقى من عوامل العمل العربي المشترك الذي لم يكن في أفضل أحواله.
كان أمن الخليج مرهوناً لقوة نظام شاه إيران المدعوم من قبل القوى الاستعمارية وإسرائيل، لكن الأمر تغير جذرياً لبعض الوقت، سقط نظام الشاه، وقامت الثورة الإيرانية، التي لم يكن روادها يكتفون بما يملكون وطنياً، وظل الصراع على النفوذ مفتوحاً، إلى أن نشبت الحرب العراقية الإيرانية، التي انتهت بانتصار العراق، وإمساكه بزمام أمر الأمن في منطقة الخليج، لم يطل الأمر حتى وقع نظام صدام حسين في الفخ، وقام بغزو الكويت، وكانت تلك السقطة التي فتحت عليه نيران جهنم، وأدت إلى غزو العراق واحتلاله.
في الواقع ثمة من أراد أن يدمر قدرة العرب على حماية أمنهم ومصالحهم، والعودة لتغذية الصراعات في المنطقة، فتحولت إيران إلى البعبع الذي يخيف دول المنطقة، الأمر الذي هيأ الظروف لما يقع من تطورات.
كل الوقت كان بمقدور العرب أن يشكلوا القوة التي تحمي أمنهم ومصالحهم، لكن المخططين وظفوا نقاط الضعف لدى العرب، وقاموا بما دأبت القوى الاستعمارية على عمله منذ أيام محمد علي. ممنوع على العرب، أن يضعوا أقدامهم على عتبة التطور والوحدة، وتحقيق طموحاتهم القومية.
واضح أن العرب لا يكلفون أنفسهم عناء قراءة التاريخ حتى الحديث منه ليدركوا أنهم ضحية مخططات مبكرة تستهدف تقسيمهم، وإدخالهم في صراعات بينية تقوض كل عناصر قوّتهم.
إنها المخططات التي رسمها المؤتمر الصهيوني عام 1897، ولم تحد عنها الحركة الصهيونية حتى وقتنا الحاضر.
وهذه هي أحوال العرب، الذين أقحموا أنفسهم في صراعات دموية وخلافات حادة ومؤامرات حتى الآن، وجعلتهم أسرى لواقعهم الممزق والضعيف حتى بات من السهل على إسرائيل، أن تكسر شوكتهم وتشتت شملهم.
في الواقع ثمة سياق لكل ما يجري، وما يجري هو محصّلة لما سبق. تخطط القوى الاستعمارية والصهيونية منها لسنوات طويلة ويبقى العربي ينظر بين قدميه. المخططات الاستعمارية لم تسقط من السماء ولم تقع هكذا فجأة، فهي معروفة منذ زمن ومعلنة، لكن أين من يقرأ ويتعلم ويستفيد؟
أمام هذا الانهيار المتسارع، لا يجوز أن يكون الرد الفلسطيني محكوماً لردات الفعل، والعصبية. أغرب رد من مسؤول كان الإعلان عن العداء لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن يقف إلى جانبها.
انظروا إلى من يؤيدها ويثمن جهودها ويراها مساهمة عظيمة في تحقيق السلام.
انظروا إلى لوحة المواقف العربية، فهل ستعلنون العداء، للغالبية العظمى من الدول العربية؟
أوروبا رحبت بالإعلانات الإماراتية والبحرينية، حتى لو عادت وأكدت كما فعل المصفقون العرب، التزاماً منها بسلام رؤية الدولتين.
لقد دفعت منظمة التحرير والشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً حتى حصلت على اعتراف العرب بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأخذت مقعدها بجدارة في كل المؤسسات العربية فهل يعقل أنهم الآن، ينسحبون من هذه الأطر والمؤسسات، وأن يسحبوا سفراءهم الذين عليهم رعاية الجاليات الفلسطينية؟ إن كان ذلك صحيحاً فإن على القيادة أن تمدّ الخيط إلى آخره، وتتخذ المواقف ذاتها من كل الدول العربية التي تقيم علاقات وتعترف بإسرائيل، فهل تستطيع؟
الفلسطينيون اليوم يملكون زمام أمرهم، على خلاف ما كان عليه الحال قبل منظمة التحرير واندلاع الثورة المسلحة، وبات عليهم أن يعودوا لصياغة العلاقة مع الشعوب العربية وقواها الحيّة، التي تؤمن بالحقوق الفلسطينية، وإن كان صوتها الآن ضعيفاً، نظراً لشدة القمع. البداية بالتأكيد من فلسطين ولاستعادة تجميع أوراق القوة، وهي لا يستهان بها، قبل الانتقال إلى ما تبقى من قوى شعبية عربية فاعلة، فالصراع لن يتوقف على ما ترسو عليه سفن القراصنة اليوم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد