قد يبدو هذا السؤال خارج سياق تطور الأحداث في إسرائيل، وقد يبدو، أيضاً، أن مكوّنات هذه الحكومة ستكون في وضع التمسك بها في كل الأحوال، بالرغم من كل الخلافات ما بين هذه المكوّنات، وما بينها وبين نتنياهو.


سبب التمسّك معروف وهو الخوف بل والرعب من الذهاب إلى انتخابات رابعة جديدة قد تتهاوى إلى ذلك الحين كل الاستطلاعات الحالية، وقد تصل الأمور إلى انهيارات كبيرة في كل المبنى السياسي والمشهد السياسي بالتالي.


لكن هذا التمسك ببقاء الحكومة ليس بأي ثمنٍ أبداً.


هناك في الواقع ثلاثة عوامل سيعتمد عليها وعلى تفاعلها والتطورات التي ستحدث حيالها بقاء هذه الحكومة أو انفراط «عقدها».


العامل الأول: « كورونا »


إذا بقيت معدلات الإصابة عالية، فإن الحكومة ستقع بين نارين: نار الإغلاق ونار فتح الاقتصاد. أي أن إسرائيل أمام احتمالات الانهيار الاقتصادي الكبير في الحالتين، لأن الانهيار الصحي سيؤدي إلى إعادة الإغلاق، وإعادة الإغلاق ستعني حتماً المزيد من الانهيار الاقتصادي.


هذه الحالة المرتبكة والمركّبة ستؤدي إلى احتجاجات اجتماعية كبيرة تأكل من رصيد الأحزاب المكوّنة للائتلاف الحكومي، وحينها لن يكون في مصلحة الأحزاب بقاء الحكومة لأن الانتخابات في وضع كهذا «أرحم» من البقاء في سدّة الحكم.


العامل الثاني: «الضمّ»


كما بات معروفاً الآن فإن هذه «الأُحجية» قد تحولت إلى إشكالية مع الولايات المتحدة، ومع كل الاتحاد الأوروبي ومع الغالبية الساحقة من دول الإقليم.


كما لم يبقَ الأمر عند كل هذه الحدود، وإنما تحول إلى خلاف داخلي إسرائيلي عميق، وتحولت الموافقة عليه سواء كان مباشراً، كلياً أو جزئياً، الآن أو بعد شهر أو شهرين.. تحولت إلى ما يشبه المستحيل السياسي.


في حال أصرّ نتنياهو ومعه بعض قوى اليمين المتطرف على الإقدام عليه فإن احتمالات انفراط عقد الحكومة تصبح عالية، خصوصاً أن مسألة الضمّ ليست جزءاً أصلياً من وثيقة اتفاق نتنياهو غانتس، كما أن تهديدات المجتمع الدولي باتت أكثر حسماً لما كانت عليه في بدايات الحديث الإسرائيلي عن «الضمّ».


هنا، أيضاً، فإن الاتفاق الحكومي على «الضمّ» ومن قبل غانتس تحديداً سيكون مقابل تراجع نتنياهو عن كل تنصلاته الأخيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بالموازنة، التي يبدو أن التوافق بشأنها ليس سهلاً على الإطلاق، كما أن بعض الأحزاب الدينية باتت تخشى على تمويلها، لأن نتنياهو أصبح يربط بصورة ابتزازية ما بين الحصص والتمويل والموافقة على كل ما يراه مناسباً لنفسه هو، وليس للحكومة، ولا حتى لحزب «الليكود». وهناك أحاديث متواترة عن تقارب ما بين غانتس وهذه الأحزاب.
العامل الثالث: «التحديات الخارجية»


في هذا الإطار يلاحظ أن «الموساد» الإسرائيلي قد قام بعدة عمليات كبيرة، وخصوصاً في إيران.


يُقال هنا إن هذه العمليات تمّ اختيارها واختيار توقيتها وفق منسوب سياسي بامتياز.


البعض يرى أن صراعاً خفيّاً يوجد الآن في إسرائيل يصل بالتفكير إلى حدود مرحلة ما بعد انهيار الحكومة، وما بعد الانتخابات الرابعة، وحول «خلافة» نتنياهو.


وهناك من يعتقد أن رئيس «الموساد» هو أحد أقوى المرشحين لهذا الدور مستقبلاً، حتى وإن كانت العمليات «الناجحة» الأخيرة في إيران وسورية يمكن أن تُحسب لصالح نتنياهو في الوضع الراهن والمباشر.


لكن هذه العمليات ليست رصيداً كافياً بحد ذاته لأن ثمة حسابات تقول إن الضربات التي وُجّهت إلى إيران في الأيام القليلة الماضية لن «تمرّ» دون ردّ إيراني، يتساوى أو يوازي من حيث الأهمية مدى صحة أو دقة التفجير الذي أصاب المفاعل النووي الإيراني.


لأن السؤال المطروح في هذه الحالة هو الآتي: متى سترد إيران؟ إذا كانت إسرائيل قد نجحت بإلحاق ضرر بالغ بهذا المفاعل، وسكتت إيران عن هذا الضرر، فمعنى ذلك أن إيران إما أنها غير قادرة على الرد أو أن ردّها سيكون مدروساً وكبيراً.


في الحالة الأولى هذا يعني أن إسرائيل ستستمر وربما ستتمادى في هذا النوع من العمليات.


أما في الحالة الثانية فإن إسرائيل ستكون في وضع «تحديات» كبيرة قد تتجاوز الحسابات التي اعتادت عليها إسرائيل حتى الآن.


فهل لأي حكومة إسرائيلية بالهشاشة التي هي عليها الآن هذه الحكومة قدرة على خوض «غمار» هذا التحدّي، وفي ظل الخلافات والاختلافات المحتدمة بين مكوّناتها، وفي ظل مفاعيل ونتائج حالة الـ «كورونا» في إسرائيل وتنامي إمكانيات تحولها ووصولها إلى معدلات تفوق قدرة إسرائيل على تحمُّل الأعباء التي ستنطوي عليها؟!


تستطيع هذه الحكومة تفادي الانفراط، وتجنب الانتخابات الرابعة، والتوافق على الموازنة وإدارة أزمة «كورونا» بأعلى درجة إغلاق تبقي الحياة الاقتصادية في وضع السيران المطلوب لو أن نتنياهو ليس متهماً بثلاث قضايا كل واحدة منها كافية للإجهاز السياسي عليه، إذا لم نقل أكثر من ذلك.


ولأن نتنياهو لديه أجندته الخاصة، وهي أجندة عابرة لكل المشكلات والأزمات، ولكنها هي المحور والأساس، فإن الحكومة لا تستطيع أن تصمد طويلاً، وهي ليست مؤهلة أن تجد الوسط الذهبي القادر على الخروج من كل أزمةٍ من هذه الأزمات المتفاقمة، وخصوصاً أزمة «التحديات الخارجية» لأن الحلول تأتي في ظروف مقيدة لعمل الحكومة بصورة موضوعية.


ماذا لو اندلعت الجبهة الشمالية؟


هل ستتمكن حكومة هشّة من التماسك في ظل الأوضاع الاقتصادية السائدة، وفي ظل الأوضاع الصحية المتفاقمة، وفي ظل العزلة السياسية التي تعاني منها إسرائيل؟
أغلب الظن أن نتنياهو أراد ونجح في أن «يورط» كل إسرائيل، وأن يجرّها إلى ملعبه حتى الآن. ولكن تفاقم المشكلات والأزمات أصبح يفرض ضرورة الفصل بين الساحة التي يلعب فيها نتنياهو والساحة التي يجب أن تلعب فيها إسرائيل.


أقصد أن هذه الحكومة لم يعد لها من أهمية تُذكر إذا ما تمّ فكّ الارتباط بين أجندة نتنياهو وأجندة إسرائيل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد