السلطة الفلسطينية أهم مؤسسات منظمة التحرير، رغم قول المتابعين أن نجاح العملية السياسية كان سيؤدي لابتلاع المنظمة من قبل السلطة، ولهذا الرأي مؤشرات لا مجال لذكرها، السلطة التي اشتد عودها وكسر في غزة ، حملت دوما شعار التمثيل لكل الفلسطينيين، وإن كان الكثيرون يرون أن المنظمة لم تكن عادلة في توزيع مغانم ومغارم الحكم على الضفة وغزة و القدس والشتات بشكل متساوي، وهو أمر له أدلة وفيه بيانات كثيرة.

وللحق أنا كمواطن عاد لغزة في ذروة الاشتباك السياسي والدموي عام 2007، لم استفيد من خدمات منظمة التحرير، الا في منحة الجزائر التي جاءت بفضل الجزائر وتفوقي الدراسي، ولطف موظف وزارة التربية والتعليم، اما السفارة فقدمت شهادة الميلاد والأختام، وتمثيل دبلوماسي متواضع باعتراف غالبية من عاشوا تلك الفترة.

منذ خروج السلطة الى حين إقرار العقوبات في مارس 2017، كان للناس أمل كبير في عودة السلطة بأي صيغة، والأمل أكبر كان عبر اليات الوحدة الوطنية الصادقة، وطي صفحة الانقسام، أمل اقترب مرتين في عهدين متناقضين للرئيسين المصريين مرسي والسيسي، لكن يبدو أن الانقسام أكبر وأقوى.

تراجع إيرادات السلطة من مقاصة غزة مع نهاية عام 2016، وكذلك تراجع دورها في غزة، -حسب اعتقادي-، ودخلت غزة في أحلك درجات الفقر، مع الخصومات المالية والتقاعد المالي وتراجع التمويل، ليصل عدد الموظفين بأنصاف الرواتب الى قرابة 25 ألف، فيما الرقم 4 أضعاف في الضفة، خاصة أن التوظيف توقف منذ عام 2007 في المحافظات الجنوبية، وتعاملت السلطة مع فقراء غزة من خلال الشؤون الاجتماعية، كأي متبرع خارجي.

الناس في غزة كانت ترى المنظمة والسلطة الأب والراعي، رغم عقوبات وقسوة السلطة التي طالت الناس ولم تمس خصومها، وبقي الأمل قائم ان تكون غزة ضمن مشروع الدولة الوطنية، وتجدد هذا الطموح مع قدوم د. محمد اشتية على رأس الحكومة، وخطاب التكليف، لكن هذا الأمل تبخر بسرعة أمام عدم تفعيل مراجعات د. اشتية والتطورات السياسية المتلاحقة.

كان بمقدور السلطة الحفاظ على الأمل في نفوس الناس بوصفها الاطار الجامع والسياج الوطني من خلال حضور يلمسه الناس أكثر، لكن للأسف دائرة القرار ضيقة والأوليات قائمة على فكرة غزة في الجيب لا أحد يريدها الآن، واذا تحقق المشروع السياسي بدولة استعادتها ستكون تحصيل حاصل.

لكن العقل السياسي لم يفكر للحظة أن حل الدولتين سيموت بسبب أطماع اسرائيل وخذلان العرب والعجم، وأن غزة ستتحول لأدة ضغط على مشروع منظمة التحرير، ليس بفعل طموح حركة حماس ونديتها فقط، بل لأن المنظمة وسلطتها أهملت دورها ومسؤوليتها عن غزة استنادا لمعادلة "يا نحن يا حماس"، وكأن الناس لها الخيار بعد 13 عام من الأزمات وفقدان الثقة.

أكبر ما خسرته منظمة التحرير في غزة هو أمل الناس فيها، الذي مهد لكل السوء القادم، من انفصال في المشاعر والاهتمامات والأوليات والغايات، رغم ادارك الجميع أن الثوران الأبيض والأسود، بعد مسلسل الترويض، هم لحم في مذبح أعداء فلسطين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد