تحوّل بيتُ عزاء القائد الوطني الكبير الدكتور رمضان عبد الله شلَّح، في قطاع غزة ، إلى تظاهرةٍ وطنية كبيرة، جمّعَت كافة ألوان الطيف السياسي والمجتمعي الفلسطيني، حيثُ اصطف قادةُ القوى والفصائل طيلةَ ثلاثة أيام لاستقبال القطاعات الجماهيرية، والفعاليات الشعبية، والرسمية، والوفود العشائرية، التي أمّت ساحة الكتيبة.  

وجدَ قادةُ القوى والفصائل أنفسهم يصطفون لاستقبال التعازي بهذه القامة الكبيرة، فالحديثُ هنا عن عنوانٍ وطني، حفر اسمه عميقاً في ذاكرة الأحرار، بتحريضه المستمر على المقاومة، وحرصه الشديد على الوحدة، ونبذه الصريح للحزبية، وتساميه على الخلاف.  

ارتسمت هذه المشاهدُ في غزة - التي كانت مسرحاً للانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، في مثل هذه الأيام قبل ثلاث عشرة سنة - لتُثلِج الصدور، وتُعيد رسم الأمل، بتجاوز محنة الانقسام، الذي كان يصفُه الدكتور رمضان شلَّح بنكبة النكبات.

صحيحٌ أن فاجعة رحيل الدكتور شلَّح، كانت صعبةً وقاسيةً على ذوي القائد الراحل، وعائلته، وأبناء حي الشجاعية - مسقط رأسه -، وكوادر وأنصار حركة الجهاد الإسلامي، وجماهير الشعب الفلسطيني، وأحرار الأمة والعالم، إلا أن هذه المشاهد، كانت تُسكِّن آلام الحزن، وتُبرِّد جراح الفراق.
صحيحٌ أننا لا نتحدث عن انتهاء المحنة أو تجاوز فصولها المقيتة، لكن الصورةَ كانت باعثاً على الطمأنينة والارتياح، فأفكارُ الدكتور شلَّح ومواقفه لازالت تُظلل الجميع، وهي كفيلةٌ بإحداث اختراق ما، في يومٍ ما، نتجاوزُ فيه عتبةَ الانقسام، الذي نَخَر قوتنا، وهبّط عزائمنا، وصدَّع قضيتنا.
ومع أن سنة 2020، تُعد (سنة الحزن)، الذي عصف بغزة، وحي الشجاعية على وجه الخصوص، بحسب وصف شقيق الدكتور رمضان، القيادي محمد شلَّح، إلا أن عزاءنا بأن أفكار الراحل الكبير وطروحاته، لا تزال حيَّة وقَّادة.  

ولعل أبرز ما طرحه الدكتور شلَّح، مبادرة النقاط العشر، التي جاءت في كلمته بذكرى الانطلاقة الجهادية، ال29 لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2016، والتي وضع من خلالها مخارج عملية لإنهاء الوضع الكارثي الذي حلّ بالفلسطينيين وقضيتهم، منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، مروراً بالانقسام، وانتهاءً بما نواجهه اليوم من مخاطر وتحديات جسام، لن يكون آخرها خطة ضم الضفة الغربية، لكيان الاحتلال. 
وتُشخص مبادرةُ الدكتور شلَّح، الأزمة بدقة بالغة، وتضع علاجاً للداء الأساسي الذي ولَّد الانقسام، وأحدث تصدعاً في العلاقات الفلسطينية الداخلية، والمتمثل باتفاقات "أوسلو" المشؤومة، وما تبعها من استحقاقات.

وبدون شك فإن أي محاولات لاستعادة الوحدة الوطنية، لا تكون بالقفز عمّا قادنا لهذا الواقع المأساوي، فإلغاء اتفاق أوسلو من قبل الجانب الفلسطيني، ووقف العمل به في كل المجالات، وإعلان منظمة التحرير، سحب الاعتراف بكيان الاحتلال، وإعادة بناء المنظمة لتكون إطاراً وطنياً جامعاً، وإعلان أن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني مازالت مرحلة تحرر وطني، هي مراحل يجب أن تسبق أي صيغة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، إذا ما أردنا أن يُكتب لها النجاح، وفق فهمنا لمبادرة الدكتور شلَّح.

كان الدكتور شلَّح ذا بصيرةٍ ثاقبة، أبهرت جميع من عرفه، حتى أولئك الذين لم يتشرفوا بمعرفته، انبهروا بعذوبة حديثه، وجزالة ألفاظه، وفَصل خطابه، وثبات مواقفه، من خلال إطلالاته المعدودة على الفضائيات.

فَهِم الراحلُ الكبير، القضيةَ الفلسطينية، حقَ الفهم، وكان يعتبرها كما المعادلة الكيميائية، التي يجب أن يوازن فيها بين طرفي الانقسام حتى يكون كم المدخلات متزناً مع كم المخرجات، لتتجدد الطاقة بأشكال وأنماط عديدة تواكب الأخطار المحدقة بقضيتنا من قبل عدونا، بأقل الخسائر، التي أرهقتنا بالنزاع الداخلي دون فائدة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد