"هبة فتّاش" مقدسيةُ تقاومُ الاحتلالَ بالجمال
وسطَ أحدِ شوارع القدس العتيقة، يهرولُ طفلٌ يحمل الكعك المقدسيّ على رأسه، وقد بانت ضحكاتُ عينيه وارتسامةُ فمه المائل من شدة الفرح. يتسع نظرك للمحيط الذي تقف فيه، فترى لوحات أخرى، كل منها ترسم لك بجمال ودقة حالة من حالات مدينة القدس ومواطنيها؛ فتأخذك لتتسائل: عن انتماء من يرسمها محاولاً الحفاظ على قدسيتها من الضياع؟!
"هبة فتّاش" صاحبة هذا الانتماء، فنانةٌٌ مقدسيّةٌٌ تخرجت من كلية الفنون الجميلة - جامعة القدس أبو ديس لعام 2015. لتبدأ ممارسة شغفها بحرية، ولتتخذ من تجسيد الحياة المقدسية بطابعها الفلسطيني العربي الأصيل محوراً لرسوماتها في مواجهة محاولات الاحتلال الإسرائيلي طمس معالم المدينة المقدسة.
بالنظير مع إحساس فتّاش الذي تكنّه إلى مدينتها القدس، حاولت أيضاً تطويع موهبتها من خلال دراستها العلمية للماجستير "تخصص دراسات مقدسية"؛ في نقل الصورة المقدسية جمالاً وتاريخاً وعلماً. كما وأتقنت مهارات فن الرسم لمدارس الكلاسيكة، التأثيرية، الانطباعية، والواقعية القريبة من السريالية، تباعاً. –وفقا لقولها-.
تقول: "واجهتُ الكثير من التحديات في طريقي رغم اجتهادي المستمر. إذ تعرضت لمضايقات الاحتلال الإسرائيلي مرات عديدة، فكوني مواطنة وفنانة مقدسية منعني والفنانين كافة من إدخال أدوات الرسم داخل الأماكن المقدسة؛ في محاولة بائسة منه لتشويه الصورة الحقيقة بواقع المزيف".
تسبب بعض ألوان الرسم حساسية خاصة لفتّاش؛ مما دفعها لتخفيف استخدامها واستبدالها بأخرى، قد تكون أغلى ثمناً رغم بخس العائد المادي حالياً كونها مازالت في بداياتها مع الرسم المقدسي. وذلك إيماناً منها بأن لا ثمن للقدس يُقدّر.
توثق رسوماتها الطابع الهندسي، والمعماري في القدس خلال العهد العثماني الذي استمر قرابة الأربعمئة عام، والتي رسخّت معالم الحضارة العثمانية القديمة في المدينة.
ونتيجة لاهتمامها بالفن العثماني شاركت فتّاش وثلاث من زميلاتها في معرض ألوان القدس الذي عُقد قبل عامين في العاصمة التركية إسطنبول. حيث عرضت خلاله لوحاتٍ مقدسيّةٍ تحمل الطابع العثماني، على الرغم من منع قوات الاحتلال لهن من نقل المزيد من اللوحات .
وقد فازت في أول معرض لها بجائزة المركز الثاني؛ مما شجّعها على المشاركة في اثني عشرَ معرضا محليا داخل مدينتي القدس و رام الله .
تؤمن فتّاش بأن الشيوخ والصغار هم جوهر الحقبة الزمنية التي تسبب الرعب للمحتل. وتُسقط اعتقاده القائم على أن الكبار يموتون والصغار ينسون؛ ما دفعها لتقديم باقة من الدورات والمحاضرات تشاركهم من خلالها تجربتها الخاصة. وعملت كمعلمة ومدربة للفنون في أكثر من عشر مدارس ومراكز خلال خمس سنوات.
ونفذّت في أواخر فبراير من عام 2019 مبادرة بعنوان "عبق: جولات سياحية بواسطة الفن"، رسم خلالها الأطفال تاريخ القدس في المحطات التي زاروها؛ لتعلم الرسم ومحاولة ربطه بمعلومات تاريخية عن الفن المعماري، والموروث الحضاري.
لم تغب القومية العربية عن لوحاتها إذ حاولت تجسيد ألم اللجوء العربي الذي لم يعد يقتصر على فلسطين وحدها كما تقول، بل تفشّى ليصل البلدان العربية الأخرى. ترسم امرأة مقدسية تحمل في يدها مفاتيح تحرير جميع البلدان العربية لتوحي أن فلسطين والقدس بوصلة كل العرب.
في واحدة من لوحاتها لو تطيل النظر إليها لاندفع داخلك شعور النصر منتشيا لا تعلم كيف! كل ما في الأمر كأن المدينة امتلأت بسلام وأمان زاخرين! لا محتل فيها ولا أثر له، والمقدسيون يسيرون براحة لم نشهدها من قبل.
لحظات وتدرك أن أمنية فتاش وأمنيتك غلبت مشاعرها في الرسم ومشاعرك في التأمل، ليأخذك مشهد النصر وطهر المدينة فتتخيل أن الاحتلال انتهى.