من طريقة النقاش الداخلي لدى الطبقة السياسية والحزبية والحكومية في دولة الاحتلال، يبدو كأن أحداً لا يملك المعلومات الكافية حول مضمون وإعلان السيادة على الأراضي الفلسطينية، ولا على موعد إقرار هذه الخطة، ولا حتى مدى إضرارها أو استفادة دولة الاحتلال منها، وكأن هناك «حوار طرشان» بين مختلف الأطراف والمستويات السياسية والأمنية والعسكرية، ما جعل هذه المسألة عنواناً لبلورة المزيد من المحاور والتقاطعات والإشكالات والتعارضات بين مختلف هذه الأطراف، على ضوء أنّ البعض منها يعتبر الضم خطراً كارثياً، في حين يرى البعض الآخر أنه فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها والإسراع باغتنامها.


إلا أنّ الحوار الأبرز بين مختلف الحوارات والنقاشات في هذه المسألة جاء بعد اجتماع رئيس الحكومة بمجلس الاستيطان، إثر تصريحات هذا الأخير التي تتعارض مع توجهات الحكومة بهذا الشأن، وبنتائج هذا الحوار يتبين أن نتنياهو لم يتمكن من إقناع رئيس المجلس ديفيد الحباني برؤيته حول مسألة الضم، خاصة إزاء مضمونها واستهدافاتها، الأول اعتبرها هدية بالغة الأهمية ومقدرة أقدم عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سياق رعايته التاريخية للمصالح الإسرائيلية كالاعتراف بالسيادة على الجولان، وب القدس عاصمة للدولة العبرية، والاعتراف بشرعية المشروع الاستيطاني بالضفة الغربية المحتلة، بينما الثاني اعتبر الصفقة وسيلة لتجميد أعمال وتوسيع الاستيطان، وتقف حائلاً دون عملية التهويد على الأرض الفلسطينية المحتلة، والأهم من ذلك حسب رئيس مجلس الاستيطان زعمه أن الصفقة تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، رغم ما أكده الأول أنّ هناك دولة فلسطينية فقط حسب التسمية الأميركية من دون أن تكون هناك أي دولة من الناحية العملية، وأن هذه الدولة مجرد وهم خادع في إطار العلاقات العامة في العمل السياسي. هذا الحوار الساخن أدى إلى هجوم كاسح شنه رئيس مجلس المستوطنات على ترامب وإدارته بدعوى التخلي عن إسرائيل ودعم قيام دولة فلسطينية.


وحسب الاتفاق الائتلافي بين نتنياهو وغانتس بإقرار الضم في الأول من تموز القادم، ورغم أن أياماً قليلة تفصل عن هذا الموعد، إلاّ أن أوساطاً سياسية أخذت تشكك في هذا التوقيت، خاصة أنه ليس هناك على الأرض أي خطوات وخطط تشير إلى أن هناك نوايا حقيقية لإقرار خطة الضم في ذلك الموعد المحدد، وبعد إثارة المستوى العسكري للعديد من التساؤلات والشكوك تم الإيعاز إلى رئيس الأركان كوخافي بالاستعداد لتنفيذ خطة الضم، من دون أي معطيات أو تفاصيل أو معلومات استخبارية تؤهل هذا المستوى للعمل بحدية لوضع الخطط اللازمة في السياق الأمني والعسكري لتنفيذ خطة الضم، وحسب المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فيشمان، فإنه لا أحد يعرف في هيئة الأركان ما الذي تريده إسرائيل فعلاً سواء من خطة الضم أو المطلوب من المستوى العسكري عمله، مشيراً إلى أنّ وزير الأمن غانتس عقد اجتماعين منفصلين مع كل من رئيس الأركان كوخافي والسفير الأميركي فريدمان، ويتبين أنه ليس بوسع وزير الأمن أن يؤكد لرئيس الأركان وجود خرائط متفق عليها لتنفيذ خطة الضم في الموعد المحدد، أو ماذا يفكر رئيس الحكومة بهذا الشأن، بينما يعكس لقاء غانتس مع فريدمان رؤية متباينة حول مسألة الضم: الأول يفترض أن هذا التنفيذ يوجب التنسيق مع الفلسطينيين والأردنيين ودول المنطقة، في حين يرى الثاني أنه يتوجب الإسراع في تنفيذ الخطة وبشكل أحادي الجانب.


غير أنّ دخول الجيش على الخط، سواء من جهة غانتس أو رئيس الأركان، إنما هو رسالة موجهة إلى نتنياهو بالدرجة الأولى، ومفادها أن وزير الدفاع يجب أن يحاط بكافة تفاصيل الخطة، وأن يكون له رأي وشريك في تنفيذها باعتباره لاعباً سياسياً لن يتخلى عن دوره، خاصة أن المستوى الأمني والعسكري هو الذي سيتحمل تبعات خطة الضم على الأرض في ظل احتمالات واسعة بتدهور المنطقة وإمكانيات متزايدة بمواجهات مسلحة. في هذا السياق يمكن فهم قرار غانتس بالتجميد المؤقت لقرار سلفه في المنصب نفتالي بينيت بفرض عقوبات على البنوك الفلسطينية التي يتم من خلالها تحويل أموال ورواتب لعائلات الأسرى، مفاد هذا القرار الذي اتخذه غانتس، أن بإمكانه الدخول على الخط وعرقلة خطط رئيس الحكومة في حال استمرار تغييبه والتعتيم عليه بشأن خطط الضم وإعلان السيادة كما هو الحال الآن، رسالة تختصر القول: «أنا موجود وقادر على الفعل».

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد