"الميزان": نكبة فلسطين كانت نتيجة لتواطؤ القوى العظمى

مسيرات العودة في غزة

استنكر مركز الميزان لحقوق الإنسان، في بيان له، اليوم الجمعة، "المواقف السياسية لأطراف متنفذة في المجتمع الدولي التي توفر الغطاء السياسي والقانوني لجرائم الاحتلال من جهة، وتنتهك قرارات الشرعية الدولية من جهة أخرى".

وفيما يلي نص البيان كما وصل وكالة "سوا":

في الذكرى الثانية والسبعين للنكبة

الميزان يجدد مطالبته للمجتمع الدولي بتفعيل القرارات الدولية المتصلة بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وحماية المدنيين الفلسطينيين

يُصادف الجمعة الموافق الخامس عشر من شهر أيار/ مايو 2020، ذكرى مرور (72) عاماً على النكبة التي ألمّت بالشعب الفلسطيني. وجسّدت النكبة أكبر جريمة تهجير قسري وتطهير عرقي في التاريخ الحديث، حين أُجبر ما يربو عن 800 ألف فلسطيني من أصل 1.4 مليون كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 في 1,300 قرية ومدينة فلسطينية على ترك مساكنهم وممتلكاتهم وأراضيهم وأمسوا لاجئين مشتتين في كل أصقاع الأرض. ويستمر حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقوق أساسية، لا سيما حقهم في تقرير المصير أسوةً ببقية شعوب العالم التي كانت ترزح تحت الاستعمار الأجنبي. وتتواصل معاناة اللاجئين، ويتعرض القسم الأكبر منهم ولاسيما من يقطنون في قطاع غزة والضفة الغربية، لمختلف أنواع التمييز العنصري والاضطهاد على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، (تشير سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأونروا " الى أن عدد اللاجئين المسجلين لعام 2019، حوالي 5.6 مليون لاجئ فلسطيني)[1].

وتأتي ذكرى النكبة هذا العام في ظل استمرار وتصاعد معاناة الفلسطينيين جراء الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية المنظمة والمتواصلة للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في ظل عجز المجتمع الدولي عن القيام بواجباته القانونية والأخلاقية، ما ساعد في توفير الحصانة لقوات الاحتلال الإسرائيلي لارتكاب المزيد من الانتهاكات التي قد ترتقي لمستوى جرائم الحرب.

وتتواصل فصول النكبة التي يعيشها الفلسطينيون في ظل تصاعد استهداف قوات الاحتلال للمدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم على نطاق واسع، وتكثيف أنشطتها الاستيطانية والاستيلاء على المزيد من أراضي الفلسطينيين، وشيدت جدار الضم، فضلاً عن هدم الأعيان المدنية بما فيها المنازل السكنية والإخلاء القسري للسكان. وتواصل سلطات الاحتلال سياسة التمييز العنصري لاسيما في مدينة القدس ، بهدف إفراغها من سكانها الفلسطينيين الأصليين ومنعهم من البناء أو حتى إصلاح مساكنهم. وتُمعن في فصل الأحياء السكنية الفلسطينية عن المدينة المحتلة، كما تفرض إجراءات مشددة على دخول البلدة القديمة، وتقيم الحواجز العسكرية على مداخلها وتنكّل بسكانها، وتمعن في أعمال الاعتقال وما يرافقها من تعذيب ومعاملة قاسية ومهينة. وتثقل كاهل سكان مدينة القدس من الفلسطينيين بالقوانين والممارسات التمييزية والضرائب الباهظة على وجودهم ونشاطهم التجاري، لدفعهم لمغادرتها طوعيا، وفي تطور هو الأخطر أعلنت مؤخراً عن نيتها ضمّ مستوطنات الضفة الغربية والقدس قانونيا بعد أن قامت بضمها فعليا عبر عقود من مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها.

وتترافق ذكرى النكبة مع استمرار سياسة العقاب الجماعي، التي تمارسها قوات الاحتلال، وتدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين في قطاع غزة خارج نطاق القانون. وتواصل قتل المدنيين وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم وتدمير المنشآت المدنية الحيوية، والمنازل السكنية والمنشآت التعليمية ودور العبادة والمنشآت الاقتصادية. كما تواصل حصارها المشدد للعام الثالث عشر على التوالي، وتحرم الفلسطينيين من أبسط حقوقهم الإنسانية على نحو خطير كحرمانهم من الحق في الصحة والحق في التعليم والحق في التنقل والحركة، والحق في العمل لا سيما منع الصيادين والمزارعين من مزاولة أعمالهم في المناطق مقيدة الوصول براً وبحراً، الأمر الذي فاقم من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية لحوالي مليوني مهجر في قطاع غزة.

ويشكّل حرمان الفلسطينيين في قطاع غزة من السفر للوصول إلى العلاج نموذجاً حياً على عنصرية سلطات الاحتلال وإصرارها على تكريس جريمة النكبة بحق من هجرتهم عام 1948، لا سيما المرضى والجرحى المهددة حياتهم بخطر الموت أو أطرافهم بخطر الفقدان؛ وتمنعهم من الوصول إلى المستشفيات الفلسطينية في الضفة أو في المستشفيات داخل الخط الأخضر. يذكر أن سلطات الاحتلال منعت، بقرار وزاري، الجرحى الفلسطينيين من الوصول للمستشفيات، خاصّة الجرحى ممن شاركوا في المسيرات المطالبة بحق العودة وفقاً لقرار الأمم المتحدة 194 الخاص بعودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، حتى ولو اقتضى ذلك بتر أطرافهم[2].

وفي الوقت نفسه قوضت سلطات الاحتلال من إمكانيات القطاع الصحي في قطاع غزة جراء سنوات من سياسة الحصار والاستهداف المتواصل، وهو ما يحول دون قدرة القطاع الصحي على مكافحة جائحة كورونا و ينذر بعواقب كارثية في حالة انتشاره في القطاع .

وفي هذا السياق تشير حصيلة عمليات الرصد والتوثيق التي يقوم بها مركز الميزان لحقوق الإنسان في قطاع غزة، إلى أنّه ومنذ عام 2000، قتلت قوات الاحتلال (7749) فلسطيني/ة في قطاع غزة، من بينهم (557) سيدة، و(1777) طفل، ودمرت (53968) منزلاً بشكل كلي وجزئي، و(3944) منشأة تجارية وصناعية، و(2196) منشأة عامة، وجرفت (58788) دونم من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى آلاف الدونمات الأخرى التي تضررت بواسطة رش المبيدات الكيميائية.

وخلال فعاليات مسيرات العودة السلمية في قطاع غزة والتي انطلقت بتاريخ 30/3/2018م؛ قتلت قوات الاحتلال (217) فلسطينياً، من بينهم (48) طفلاً وسيدتين و(4) مسعفين وصحافيين اثنين. كما أصيب خلال المسيرات (19234) من بينهم (4963) طفلاً، و(869) سيدة.

اثنان وسبعون عاماً مضت على تهجير الفلسطينيين من ديارهم، بينما يستمر حرمانهم من حقهم في تقرير مصيرهم، وتزداد معاناتهم في دول اللجوء، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، حيث تتوسع احتياجاتهم واعتماديتهم على المساعدات الإنسانية التي تقدّمها المنظمات الدولية خاصة في ظل تدهور القطاعات الاقتصادية نتيجة الحصار والاستهداف المتواصل للمدنيين وممتلكاتهم، وفي ظل غياب الحلول التنموية الآجلة والعاجلة يُتوقع أن تتفاقم الأزمات الإنسانية جراء انخفاض الدعم الدولي واستمرار العجز المالي الذي تعاني منه "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى (أنروا)".

مركز الميزان لحقوق الإنسان إذ يؤكد على أنّ نكبة فلسطين وتهجير شعبها كانت نتيجة لتواطؤ القوى العظمى ، فإنّه يشدّد على أنّ استمرار معاناة الشعب الفلسطيني وانتهاك أبسط حقوقه الإنسانية بفعل غياب العدالة وتسييس قضايا حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية. كما ويؤكد المركز على أن غياب المحاسبة وسياسة الإفلات من العقاب كانا ولازالا سببا خطيرا خلف مواصلة قوات الاحتلال ارتكاب جرائم خطيرة وانتهاكات منظمة لحقوق المدنيين المحميين ولقواعد القانون الدولي.

وفيما يتواصل تدهور الأوضاع الإنسانية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، فإن خطراً محدقاً يتهدد حياتهم في ظل التهديد بإنهاء وجود وكالة الغوث الدولية. كما أن خطر جدي يتهدد مستقبل اللاجئين وقضيتهم بل والقضية الفلسطينية برمتها في ظل السياسات والخطوات الإسرائيلية متسارعة الوتيرة في ضم الأرض ومصادرة الحقوق الفلسطينية، في استغلال خطير لجائحة كورونا وانكفاء الدول على نفسها في مواجهة هذه الجائحة وعدم وفائها بواجباتها تجاه الفلسطينيين وممتلكاتهم.

وفي هذا السياق يُعرب الميزان عن استنكاره للمواقف السياسية لأطراف متنفذة في المجتمع الدولي التي توفّر الغطاء السياسي والقانوني لجرائم الاحتلال من جهة، وتنتهك قرارات الشرعية الدولية في مواقفها من القضايا الأساسية ومحاولة فرضها حلول على الشعب الفلسطيني في انهتاك للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة من جهة أخرى.

وعليه فإن مركز الميزان لحقوق الإنسان يجدد مطالبته للمجتمع الدولي بضرورة العمل الجدّي على إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين وتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تقضي بإعمال حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ولاسيما حق العودة والتعويض وجبر الضرر، وبذل المزيد من المساعي والجهود من أجل توفير الحماية للشعب الفلسطيني وتحقيق تطلّعاته في الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية كمدخلٍ للسلام والاستقرار والسلم العام في الشرق الأوسط

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد