كثير الصراخ، وعلو الصوت، لا ينفع كثيراً في التعبير عن استحقاقات ومتطلبات تحقيق المصالحة الفلسطينية .
لا علاقة له بالسياسة من يدعو وفد منظمة التحرير القادم إلى غزة ، للبحث فقط في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقاً، دون الذهاب إلى حوار وطني شامل، يستهدف وضع استراتيجيات جديدة، والتوافق على برنامج سياسي أصبح بالامكان التوصل إليه.
المصالحة، واستعادة الوحدة ستظل عرجاء، وقابله للانتكاس ما لم يتم إجراء هذا الحوار المعمّق وطالما أننا كفلسطينيين نمر بمرحلة جديدة، ظهرت ملامحها الأولى في قرارات المجلس المركزي الأخير، قبل الانتخابات الإسرائيلية، وتتأكد اليوم بعد ظهور نتائج الانتخابات.
العنوان الأبرز لهذه المرحلة، يتمثل فيما اعترفت به اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيانها الذي صدر عن اجتماعها مباشرة بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وهو أن الطريق أصبحت مقفلة أمام خيار المفاوضات.
إسرائيل بشهادة المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة، هي التي تتحمل المسؤولية الحصرية عن فشل خيار المفاوضات ما يعني أن كل حديث عن المفاوضات والاستعداد لاستئنافها سواء من طرف الفلسطينيين أو الإسرائيليين ليس سوى خطاب علاقات عامة لا مضمون له.
انغلاق أفق المفاوضات يعني فتح الصراع والاشتباك على اتساعه وتعدد أشكاله، ما يشكل تاريخياً المناخ المناسب لرص صفوف الفلسطينيين، الذين يترتب عليهم أن يعيدوا صياغة مؤسساتهم، وآليات اتخاذ قرارات على نحو يلحظ أن الدخول في هذا الاشتباك، يتطلب الاستعداد لدفع الثمن ولكن من المهم، أن نقلل من الثمن المطلوب.
الدخول في مربع الصراع والاشتباك، ومغادرة طريق المفاوضات، لا يعني أوتوماتيكياً، أو بالضرورة، الذهاب إلى خيار المقاومة المسلحة كبديل، إذ ان التفكير بمثل هذه الطريق، ربما يؤدي إلى تراجع التضامن الدولي الذي تولد بعد الانتخابات الإسرائيلية وبسببها.
هنا علينا أن نلاحظ النجاح الذي حققته السياسة الفلسطينية التي يقودها الرئيس محمود عباس ، والتي اتبعت سلوك نزع الذرائع، وفضح المخططات والسياسات الإسرائيلية حتى لم يعد أهم وأقرب حلفاء إسرائيل قادرا على الدفاع عنها، أو الصمت عليها.
إلى من يقلل من هذا الإنجاز نذكره بأن إسرائيل كمشروع استعماري جرى تأسيسه ورعايته بقرار دولي، وبأنه من غير الممكن للفلسطينيين أن يحققوا أهدافهم الوطنية دون مناخ ودعم دوليين، يمر عبر تفكيك الحلف الذي أمد حبل السرة الإسرائيلي بكل وسائل التغذية والإنعاش.
المسألة هنا ليست أخلاقية، بقدر ما انها تتعلق بالمصالح فلا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، ينظرون إلى الصراع من خلال منظومة قيم، وإنما من خلال مصالحهم التي بات السلوك الإسرائيلي يهددها.
الاتحاد الأوروبي قالها صراحة وحذر من قرب انفجار الخزان الفلسطيني، الذي يهدد في حال انفجاره مصالح كل الأطراف الدولية.
إذا كان مارتن انديك، وهو سفير أميركي سابق في إسرائيل، وأحد أعمدة الطاقم السياسي الأميركي الذي يعمل على خط السلام في المنطقة، وهو ايضاً أميركي من أصل يهودي استرالي إذا كان هذا الإنسان قد اعترف بأن الفلسطينيين نجحوا في اقناع العالم بصدق سعيهم من أجل السلام بينما فشلت إسرائيل، فكيف بنا كفلسطينيين لا نلاحظ ذلك؟
هذا المناخ مناسب لتحقيق المصالحة، خصوصاً وأنه يشهد تخفيفاً للضغوط والاعتراضات الدولية، والعربية، التي كانت من أسباب تعطل المصالحة، ويبقى شرط تحقيقها، يكمن في أن تتخفف الفصائل من عصبويتها ومن حساباتها الخاصة.
الدخول في مربع الاشتباك والصراع، ينطوي على متغيرات مفترضة واسعة، وجذرية، ومكلفة في الوقت ذاته، إذ أصبح على الفلسطينيين أن يتوجهوا إلى العرب ابتداءً من القمة القادمة التي ستنعقد في القاهرة خلال الأيام القريبة القادمة، بخطاب موحد ورؤية موحدة وطلبات موحدة.
قد لا يتسع الوقت للفلسطينيين قبل القمة لإجراء مراجعة، تستهدف سؤال أوسلو والسلطة، وجوداً ووظيفة، واستحقاقات الدولة التي حصلت على مقعد مراقب في الأمم المتحدة، وسائل التمويل، واستحقاقات وطبيعة التحرك العربي المطلوب في اتجاه المؤسسات الدولية، إن كان مجلس الأمن، أو محكمة الجنايات، أو العودة لتطوير مكانة دولة فلسطينية إلى دولة كاملة العضوية.
على المستوى الدولي لم يعد ثمة ما يؤخر أو يمنع الحكومات الأوروبية من الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد أن اتخذت برلماناتها توصيات في هذا الخصوص، بل ان المطلوب من أوروبا يتجاوز ذلك إلى اتخاذ عقوبات بحق إسرائيل، ودعم المطالب والمساعي الفلسطينية في المؤسسات الدولية، وكل هذا ممكن وواقعي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية