تشكيل القائمة العربية المشتركة لخوض انتخابات الكنيست الأخيرة أضاف نقلة نوعية في الوعي والممارسة السياسيين لدي فلسطينيي الداخل، ما يوجب الحفاظ عليه واستثماره والتعلم من أخطاء التجربة لصالح استمرارها وتطويرها وتحقيق المزيد من المنجزات في سياقها في المستقبل، وبالقدر الذي حققت فيه القائمة نجاحاً وإن كان مبتوراً إلا أنها شكلت تطوراً لا يمكن إغفاله في السياسة الفلسطينية في الداخل. وحين نقول نجاحاً مبتوراً فإن ذلك لا يعني ملامسة حدود الفشل، فما حصلت عليه القائمة المشتركة، وهي التي تم تشكيلها فجأة وتحت ضغط الوقت وسيفه، لم يكن بالقليل، بل نقصد أنه كان يمكن أن تحصل على أكثر من ذلك لو كانت تجربة العمل المشترك بين الأحزاب العربية المختلفة أكثر تجذراً وتعمقاً.
فالقائمة تم تشكيلها كما أسلفنا تحت ضغط الوقت وحاجة الأحزاب المختلفة لتجاوز نسبة الحسم التي تم رفعها والتي كان من المتوقع أن يكون أول ضحاياها الأحزاب العربية لو ظلت مشتتة. وحسناً صنعت حين توحدت ووحدت جهودها لخوض الانتخابات في قائمة مشتركة.
إن نفس الدافع الذي أجبر الأحزاب العربية على خوض الانتخابات في قائمة مشتركة هو مصدر القلق حول مستقبل القائمة ومستقبل العمل الحزبي المشترك، فالدخول في قائمة موحدة لم يكن بدافع إدراك أهمية توحيد الجهد السياسي العربي في الداخل لمواجهة سياسات التمييز والفصل الذي تنتهجها حكومات إسرائيل، بل كانت ضرورة حزبية من أجل عدم الوقوع تحت عجلات قطار الحسم، وإذا كان الأمر كذلك فإن ثمة قلق حول الوعي المشترك بخصوص العمل الجماعي حزبياً وسياسياً. فليست القائمة مجموعة أحزاب عربية مختلفة ومتصارعة في بعض الأحيان بل إنها لم تأت نتيجة إدراك عميق بضرورة توحيد الجهود، وإن فحص آليات عمل الأحزاب العربية المشتركة في القائمة في الميدان وفي تحشيد الجماهير من أجل دعم القائمة تكشف أنه لم يكن ثمة عمل مشترك حقيقي، بقدر ما كان ثمة ارتكازات على النشطاء الحزبيين الذين كان يهمهم عمل حزبهم ونجاح مرشحيه، وربما التقصير في بعض المناطق على حساب تنشيط بعضها الآخر كان يتم وفق الثقل الحزبي المختلف.
بالطبع نتنياهو استخدم تشكيل القائمة في اللحظات الأخيرة من أجل استنفار مصوتيه اليهود مستخدماً لغة عنصرية، حيث باتت فزاعة العرب الذين سيسرقون الدولة هي جوهر تحريض نتنياهو، وربما يمكن القول إن مثل هذه الفزاعة ساهمت بشكل لا يمكن إنكاره في تحشيد أصوات اليمين لصالح نتنياهو ليقفز في اللحظات الأخيرة على عكس استطلاعات الرأي التي لم تكن تكشف عن تباين كبير بينه وبين منافسه هيرتسوغ.
وفي تطور شبيه فقد ساهم هذا التحريض اليميني على رفع نسبة المصوتين العرب حين اضطرت القائمة إلى تنشيط عملها الميداني من أجل جلب المصوتين للدفاع عن حقوقهم ومن سيمثلها، وبالتالي استفاد نتنياهو من القائمة وأفادها.
السؤال الكبير الذي لا يمكن أن يغيب عن البال يتعلق بمستقبل القائمة ومقدرتها على الحفاظ على وحدتها داخل الكنيست، ليس من جهة احتفاظها بنفسها كقائمة فقط، بل أيضاً لجهة تصرفها داخل الكنيست كقائمة موحدة في المواقف والتصويت، حيث إن الخوف هو أن يتصرف كل عضو من القائمة وفق توجهات حزبه أو حركته، وبالتالي فقدان القدرة على التأثير في مجريات التشريع والسياسة على ضآلة إمكانية ذلك رغم كل شيء، لكن حتى لو كان هذا التأثير ضئيلاً، إلا أنه يبدو مهماً في توحيد الصوت العربي لقول لا، والتصويت لصالح القضايا التي تهم جمهور الناخبين، وتقديم العرب موحدين في ظل سياسات التمييز التي تمارس ضدهم.
كثيرون يراهنون على حدوث هذه الفرقة، ونتنياهو ليس بعيداً عن هذه الرهانات، وبيت القصيد مرة أخرى هو أن تتصرف القائمة كقائمة ليس في خوض الانتخابات ولكن حتى في الممارسة البرلمانية؛ لأن من شأن عدم حدوث هذا وتشتت جهود ومواقف أعضائها أن يقدم صورة سلبية عن مستقبل العمل السياسي والبرلماني المشترك.
إن الحفاظ على قوام العمل المشترك بعد الانتخابات ربما يكون أكثر صعوبة من العملية الانتخابية نفسها، وعليه فإن إفشال رهان المتربصين بوحدة القائمة يظل مطلباً وطنياً وإحساساً قومياً لا يمكن أن يتم خذلانه، خاصة في سياق التمزق والانقسام الذي يعاني منه المشهد الفلسطيني الداخلي، وربما عكست الدعاوى بأن يكون تشكيل القائمة محرضاً ودرساً للطيف السياسي الفلسطيني حول ضرورة إنهاء الانقسام والتوحد هذه الآمال.
بالطبع لا أحد يطلب أن تذوب الأحزاب العربية في حزب واحد رغم أن هذا لابد أن يكون غاية أي عمل حزبي مشترك وتطلع أي أقلية في أرضها يمارس ضدها كل صنوف التميز والقهر العرقي، ولكن في ظل تعذر تحقيق ذلك فليس أقل من تنسيق المواقف وترتيب البيت الداخلي وتوحيد الجهود، حتى لا يغني كل على ليلاه وتضيع المزيد من الحقوق ويتم هدر المزيد من الطاقات.
في ظل هذا فإن مقاربات جديدة يمكن تعلمها من تجربة تشكيل القائمة المشتركة لابد أن تفيد في البحث عن المستقبل، وسؤال المستقبل يتعلق بقضيتين، الأولى ضرورة ألا يكون تشكيل القائمة طفرة في العمل الحزبي العربي في الداخل بل أن يتحول إلى ممارسة منتظمة، وعليه لابد من استمرار عمل لجنة الوفاق ودورها في الإشراف والتوجيه بجانب لجنة المتابعة العليا. القضية الأخرى تتعلق بضرورة تجاوز أخطاء التجربة والتحضير للانتخابات القادمة التي قد تحدث في غضون عامين، وحتى لو تمت في غضون أربع سنين فإن المدة ليست بالطويلة، وإن إنجاز عمل مستدام وثابت وقادر على تجييش الجماهير العربية خلف قائمة موحدة ربما يتطلب أكثر من ذلك، وهي فرصة لتطوير مقاربات مشتركة للقضايا الحساسة التي تمس نضال الجماهير العربية في الداخل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية