التفسير الوحيد الذي أجمع عليه معظم المراقبين والمحللين للقرار الثأري الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف تمويل منظمة الصحة العالمية أنّ ذلك يعود بشكلٍ أساسي إلى فشله في التعامل مع أزمة الوباء، وتحميل العديد من المراقبين بمن فيهم الأميركيون أنفسهم ترامب مسؤولية التأخير في تبني الخطط والخطوات اللازمة والمناسبة التي كان من شأنها الحد من تفشي الوباء في أميركا التي باتت بسبب هذا الفشل البؤرة المركزية لتفشي هذا الوباء على صعيد العالم.


كان من الممكن الحد من انتشار هذا الوباء وتفشيه على نطاق واسع في الولايات المتحدة، لو أنّ الرئيس ترامب استمع إلى نصائح منظمة الصحة العالمية، بدلاً من أن يُحملها مسؤولية فشله في إدارة الأزمة والالتزام بتعليمات منظمة الصحة العالمية بدلاً من وضعها في موضع كبش فداء للتغطية على أخطائه وخطاياه، كان الأجدى دعم هذه المنظمة التي تقوم وتلتزم بمقاومة مختلف الأمراض والأوبئة كـ"الايبولا وشلل الأطفال والملاريا وسارس والإنفلونزا" على مختلف تسمياتها إضافة إلى " كورونا " بطبيعة الحال.


وكان ترامب استهان وقلل من مخاطر هذا الوباء مع بداية انتشاره، وعندما بدأت منظمة الصحة العالمية بدق ناقوس الخطر في الخامس من كانون الثاني وقامت بإصدار إيجازات يومية لمسؤولي الصحة في كل دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، إلاّ أن الرئيس الأميركي لم يلتقط سوى ما نشرته المنظمة في الرابع عشر من الشهر ذاته، نقلاً عن دراسة صينية بعدم وجود أدلة واضحة عن انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان آخر، لكي يعتمد عليها بعد شهرين أو أكثر لتبرير قراره الانتقامي بوقف الدعم الأميركي المالي للمنظمة علماً أنّ لهذه الأخيرة مستحقات سابقة على الولايات المتحدة تُقدّر بـ200 مليون دولار دون الأخذ بالاعتبار أنّ الاختبارات والفحوصات مع بداية ظهور هذا الوباء هي التي أدّت إلى انتظار وقت ملائم للتوصل إلى أنّ هذا الوباء بالفعل ينتقل من إنسان إلى آخر.


ورغم أنّ ترامب ادّعى متهماً المنظمة بالتعاون مع الصين وتبني موقفها إزاء تطورات الوباء وتفشيه إلاّ أنه نفسه سبق وتغزّل بالصين وموقفها إزاء الوباء والتعامل مع تطوراته، ووفقاً لما نشره موقع فضائية "الحرة" في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي وعلى لسان ترامب فقد قال، إنّ الصين تقوم بمحاولات جادة للتصدي للوباء، ثم أعقب ذلك مشيداً بالرئيس الصيني قائلاً، باسم الشعب الأميركي أريد أن اشكر الرئيس شي "الرئيس الصيني شي جين بينغ"، مضيفاً في نفس تغريدته، الصين تعمل بجد لاحتواء فيروس كورونا والولايات المتحدة تقدر حقاً جهودها وشفافيتها.


في السابع من الشهر الجاري، أعربت الصين عن تقديم كل دعمٍ ممكن للولايات المتحدة في حربها ضد الوباء، كما تقدّم حاكم نيويورك أندرو كومو بالشكر للحكومة الصينية على مساعدتها والتبرع بألف جهاز تنفس صناعي للولاية.


لكن لماذا تأخر ترامب في اتخاذ قراره الثأري ضد منظمة الصحة العالمية والصين؟!


في تقديرنا أنّ الأمر يتجاوز تحميل فشله وعجزه للآخرين، مع أنّ ذلك صحيح تماماً إذ إننا نرى أن ذلك يعود بدرجة لا يمكن الاستهانة بها إلى أنّ الرئيس ترامب يريد أن تحتكر بلاده إنتاج وترويج الأدوية واللقاحات الخاصة بهذا الوباء، بينما منظمة الصحة العالمية تعلن أنّ هناك 70 لقاحاً للفيروس التاجي قيد التطوير على مستوى العالم وإن من أهم الشركاء في عملية الإنتاج شركات صينية وبعضها يتركز في هونغ كونغ، ولعلّ إصدار مجموعة من الخبراء في هذا المجال لبيان عبر موقع منظمة الصحة العالمية يتضمن التعهّد بالتعاون معاً في ظل تنسيق وإشراف منظمة الصحة العالمية للمساعدة في التوصل إلى لقاء ضد وباء "كوفيد ــ 19"، الأمر الذي من شأنه أن يوقف أي تفرّد يريده ترامب كسبق أميركي احتكاري في هذا المجال.


إن منظمة الصحة العالمية التي تقوم بتنظيم وتنسيق والإشراف على الجهود الدولية من أجل التوصل إلى أدوية ولقاحات ضد هذا الوباء تعتبر منافساً أكيداً لجهد أميركي منفرد ومنعزل واحتكاري في سياق المنافسة على صناعة وترويج هذه الأوبئة واللقاحات، ما يبرر بالنسبة لترامب هذه المواجهة مع المجتمع الدولي عبر وقف الدعم المالي للمنظمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد