في كل مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ توسع انتشار فيروس ال كورونا والبدء في تغيير السلوك العام، كان يؤكد أن إسرائيل سباقة في اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة انتشار المرض، وهو في هذا يجافي الحقيقة، ببساطة لأن السلطة الفلسطينية كانت السباقة على مستوى العالم خارج الصين في إعلان حالة الطوارئ وإغلاق المدارس والجامعات ولاحقاً إغلاق المطاعم والمقاهي والأندية والصالات وأماكن التجمع، هذا عدا الإجراءات الشديدة في محافظة بيت لحم منذ البداية، كما قامت بملاحقة كل الذين خرقوا أنظمة الطوارئ وتعليمات السلامة العامة. ويسجل لها أيضاً التعامل بشفافية مع الوضع من خلال الناطق باسم الحكومة والمكلف من وزارة الصحة لوضع المواطنين بصورة كل التطورات الجارية، وقد أشادت منظمة الصحة العالمية بجهود السلطة في هذا المجال.


لكن المفجع في التعامل الفلسطيني مع هذا الخطر الجسيم كان سلوك سلطة " حماس " في قطاع غزة ، فقد أصرت منذ البداية على إظهار أنها مستقلة ولا تخضع لإعلان الطوارئ الذي تم من خلال مرسوم الرئيس أبو مازن. وكان رد الفعل الفوري  صدر عن مسؤول الإعلام الحكومي لدى "حماس" سلامة معروف الذي قال إن حالة الطوارئ لا تسري على غزة، وتأخرت غزة في اتخاذ إجراءات السلامة لتثبت أنها لا تخضع للسلطة الوطنية. وكانت حكومة "حماس" الفعلية في غزة تصر على عدم الاستجابة لنداء العقل والمنطق والصحة قبل أن يكون نداء  الوطن في ظل هذه الظروف الحرجة.


وفي الوقت الذي منعت فيه السلطة في الضفة التجمعات للمواطنين بما في ذلك منع صلاة الجماعة في المساجد والصلوات في الكنائس، أعلنت اللجنة الحكومية في غزة سلسلة إجراءات لا ترقى إلى مستوى وضع الطوارئ والخطر الذي تتعرض له البلاد. فعلى سبيل المثال اعتمدت لجنة "حماس" قبل ثلاثة أيام منع التجمعات لأكثر من 100 شخص تيمناً بالإجراء الإسرائيلي الذي تجاوزته إسرائيل بإعلان حالة الطوارئ. وأصرت وزارة أوقاف غزة على الاستمرار في إقامة صلاة الجماعة في المساجد ولم تأخذ بالاعتبار الخطر الذي يشكله تجمع المصلين في المسجد حتى لو قامت بتوسيع المسافة بين الأسطر، فلا يزال صف المصلين بجانب بعضهم البعض يمثل خطراً أكيداً بنشر المرض في حالة الإصابة.
والأنكى هو وضع مقرات الحجر الصحي الذي هيأتها حكومة "حماس" للقادمين عبر معبر رفح والتي تفتقد أبسط مستلزمات الصحة لا من حيث النظافة ولا العزل والمسافة الكافية ولا التجهيزات الطبية حتى الماء لا يتوفر في العديد منها وخاصة المدارس، وهذا يجري في ظل المكابرة وعدم الاعتراف بالعجز عن تلبية متطلبات الوضع. وليس عيباً أن تقر "حماس" بأنها لا تمتلك ما يمكنها من معالجة الوضع الخطر، بل من المنطق والسلوك الوطني التعالي على كل الخلافات والتوحد في مواجهة الوباء العالمي الخطير.


فإذا كانت إسرائيل المنقسمة على نفسها ولا توجد حاجة لتشكيل حكومة طوارئ موحدة قد قررت الذهاب نحو هذا الخيار، على الرغم من أن غالبية الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال بدون حكومات طوارئ "وطنية" تحت عنوان مواجهة خطر كورونا، فكيف هو حالنا ونحن نواجه ليس فقط خطر كورونا بل و صفقة القرن والمشروع الاستيطاني الأخطر في التاريخ. ومن العيب أن نبقى على هذا الوضع ونحن على مفترق طرق في غاية الخطورة والحرج.


قد تكون السلطة والقيادة مخطئة في كثير من الأشياء ولكن إجراءاتها في معالجة خطر وباء الكورونا تستحق التقدير والاستجابة والاتباع، وعلى الأقل هي خطوة أولى تتحلى بالمسؤولية الوطنية، ويمكن البناء عليها لما هو قادم وبما يحقق مصلحة المواطنين والقضية. ربما لو تعاطت "حماس" بشكل إيجابي مع حالة الطوارئ باعتبارها حالة إجماع وطني وقدمت أنموذجاً في التحلي بالمسؤولية لكان يمكن أن تكسب تعاطف المواطنين وتخلق حالة من الضغط من أجل الوحدة الوطنية، ولكن هل "حماس" معنية فعلاً بالوحدة؟ أم أن الفائدة التي تجنيها من الانقسام أهم بكثير من المشروع الوطني برمته؟


في الواقع هناك من هم غير معنيين بالوحدة ويستفيدون من حالة الانقسام، وهم موجودون في الضفة كما في غزة، ولكن على "حماس" مسؤولية خاصة في تحقيق الوحدة الوطنية لأنها سلطة الأمر الواقع في غزة، وهي التي بإمكانها أن تخطو الخطوة الأولى الأهم في هذا الاتجاه، وذلك بتأكيد وحدة السلطة عبر إجراءات سريعة تمكن الحكومة من بسط سلطتها على غزة، وإنهاء دور اللجنة الحكومية التي تمثل حكومة أخرى منفصلة في غزة، على الرغم من إعلانات "حماس" المتكررة أنها حلت اللجنة الإدارية وأن اللجنة الأخرى المشكلة من وكلاء الوزارات هي لجنة مغايرة، ولكن في حقيقة الأمر هي حكومة موازية ومنفصلة عن حكومة السلطة.


ومن أجل الانصاف كان يمكن للانتخابات أن تشكل خطوة جدية في الطريق لإنهاء الانقسام لو خلصت النوايا. والآن في ظل أزمة الكورونا أصبح هذا الخيار مستبعداً، بالإضافة إلى كونه أصلاً على درجة كبيرة من الصعوبة طالما هو مرهون بموافقة إسرائيل على إجراء التصويت في القدس الشرقية، ودون البحث في خيارات أخرى لتمكين المواطنين هناك من التصويت برغم معارضة إسرائيل.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد