نعم إنه تبدو مناورة، لذا يعمل حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات الفلسطينية، على منحنى الربط بين حركتي فتح و حماس ، من أجل التوصل لصيغة مشتركة تُمهد لإجراء انتخابات فلسطينية جديدة، بعد عدة جولات مكوكية بين مكتبي الرئيس ومكتب حماس في غزة ، تمخضت تلك اللقاءات عن تقارب في وجهات النظر ورغبة في اجراء الانتخابات من كلا الطرفين.

يستثمر حنا الذي يحمل درجة الدكتوراه في الفيزياء النووية عام 1967 من جامعة (بيردو) في الولايات المتحدة الأمريكية، خبراته في علم الفيزياء لمحاولة ايجاد مُنحنيات جديدة تساهم في رفع العتب أمام عمله كرئيس للجنة الانتخابات المركزية منذ عام 2002م، لتنظيم جولة أخرى من الانتخابات، التي تُصادفها العديد من العقبات.

ظهر التحدي الحقيقي امام اجراء الانتخابات من خلال تقدم السلطة الفلسطينية بطلب للاحتلال الإسرائيلي بالموافقة على اجراء الانتخابات في مدينة القدس ، وقد امتنع الاحتلال الإسرائيلي عن الرد على الرسالة الفلسطينية، لظروف سياسية داخلية في إسرائيل بعدم قدرة حكومة تسيير الاعمال اتخاذ قراراً باجراء انتخابات فلسطينية دون معرفة نتائجها مسبقاً، في حين تُصر السطة الفلسطينية وفصائل غزة، على اجراء الانتخابات في القدس ترشيحاً وتصويتاً، لذا نجد أنفسنا أمام طرف جديد مُعطل لاجراء الانتخابات.

بالعودة إلى حنا ناصر فإن النواة الانتخابية الصلبة التي ينطلق بموجبها إلى قطاع غزة نحو تحقيق هدفه بإجراء انتخابات مرهونة بموافقة الفصائل وحركتي فتح وحماس على النظام الانتخابي، وازالة العراقيل أمامها وتهيئة الأجواء والاتفاق على الهيئة الرقابية المشرفة على حماية صناديق الاقتراع، هو الوصول إلى اتفاق بين الفصائل على شكل المحكمة المختصة بالانتخابات وانهاء الانقسامات السياسية بين الأحزاب والفصائل الفلسطينية، لتحقيق التفاعلات والمعادلات الانتخابية، والتغلب على الانشطارات الانتخابية، والوصول إلى مسار انتخابي يُحقق النزاهة والشفافية، ومن ثم تعقب ذبذبات الموجات الارتدادية وقَبول نتائج تلك الانتخابات، وهو ما تحقق جزء منه.

الطريق إلى الصندوق هو المشوار الأخير الذي يقطعه حنا ناصر للوصول إلى انتخابات تُمهد لإنهاء الانقسام، فمنذ أن تولى الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، مقاليد الحكم في الأراضي الفلسطينية، اختفى الصندوق، وذلك بفعل الانقسام وعدم القدرة على تطوير النظام السياسي الفلسطيني لاستيعاب الحركات الإسلامية في الحكم، وعدم القدرة على تطوير مسودة التوافق السياسي على أسس الشراكة السياسية لكافة فصائل وقوى المجتمع الفلسطيني، وغابت الديمقراطية الانتخابية عن الشارع الفلسطيني (في غزة لأن الضفة مارست الانتخابات المحلية)، وأصبحنا نُحكم بالديمقراطية الجبرية، التي فرضها الانقسام السياسي بين غزة والضفة الغربية.

لذا تبدو الطريق نحو صندوق الانتخابات في ظل المقدمة صعبة وطويلة جداً، خاصة أنه يتعذر اجراء أي شكل من أشكال الانتخابات في ظل حالة الانقسام، وذلك لغياب الثقة بين شقي الوطن وغياب المؤسسة الوطنية الواحدة القادرة على الاشراف على تلك الانتخابات وانجاحها وتهيئة الأجواء لإجرائها، وهو مطلب شعبي ووطني واستحقاق ديمقراطي يُنادي به الفقير والغني، الفصائل ومنظمات المجتمع الدولي، ولكن كيف ومتى وأين سينتخب المواطن.

منذ 14 عاماً غاب الصندوق، وحل مكانة التفرد في حكم المواطن، وتطبيق سياسات الاقصاء والعقاب الجماعي، وتفردت السلطات في غزة والضفة بحكم المواطن بالسياط، ومصادرة الحريات العامة، والحقوق الفردية والجماعية للمواطن، وتم تطبيق سياسات التقشف وفرض الضرائب، وقطع الرواتب، والتقاعد الوظيفي الاجباري، وكل ما سبق بسبب غياب الوعي الجمعي للمواطن الفلسطيني، الذي بات يبحث عن رغيف الخبز في جيوب السياسيين وصُناع القرار، وأصبح أقرب إلى المتسول لحقوقه وواجباته في ظل شماعة الانقسام والاحتلال والحصار.

الطريق وعره أمام حنا ناصر، ولن تُسعفه سنوات الفيزياء النووية في اجراء انتخابات جديدة، ولست كبير المتشائمين بشأنها بل من المتخوفين أن ندفع ثمن تلك الانتخابات، مئات الشهداء والجرحى، عندما يُقرر الاحتلال الاسرائيلي أن يضرب أركان غزة، ويبعثر الأوراق في المنطقة لصالح استدامة الانقسام وتعزيزه من جديد، لأن انتخابات جديدة من شأنها أن تُغير الواقع وتفرض معادلات جديدة على نظام الحكم، في ظل اجراء انتخابات غير متوقعة النتائج، حيث يحتكم التصويت لنظرية عقاب الحُكام الفعليين سواء في غزة أو الضفة الغربية، والانتقام منهم من خلال الصندوق.

لذلك تجد الخلاف بين السياسيين على التمثيل النسبي والنظام الانتخابي، فالكل يبحث له عن مقعد في الانتخابات القادمة على حساب مصالح المواطنين، يعتقدون أنهم أذكى من صوت المواطن المقهور، ينتظرون أن يتم التصويت لهم من جديد ومنحهم الثقة ليكونوا خيارنا في المرحلة القادمة، لتقسيم المقسم وتفتيت ما تبقى من القضية الفلسطينية، لقد صنعتم لنا انقساماً كانت تحلم به اسرائيل ولم تُحققه بعتادها العسكري، بل حققناه لها من خلال غبائنا السياسي وصندوق الانتخابات الذي نلهث خلفه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد