مَن يقرأ تاريخ اغتيالات الزعماء في العالم يُدرك أن لكل عملية اغتيال هدفاً، يرمي إلى التغيير، أو الانتقال إلى مرحلة جديدة، إنَّ عمليات الاغتيال عند الساسة المحترفين هي ذريعةٌ وسُلَّمٌ غايتُه تحقيق المكاسب المطلوبة، باستخدام الاغتيال! إن عملية اغتيال قائد فيلق القدس ، قاسم سليماني ، تدخل ضمن هذا الإطار، هي بداية لمرحلة جرى التخطيط لها منذ أمدٍ بعيد، هذه العملية لا تختلف كثيراً عن أقرب عمليات الاغتيال، اغتيال الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، فقد كانت حادثة اغتياله عام 2004، ترمي لإزالة متعلقات اتفاقية أوسلو، وإفشال الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها!
اغتالوا أولاً مايسترو اتفاقية السلام الإسرائيلي، إسحق رابين، عام 1995، هكذا خلتْ الساحة من الزعيمين، وشرعوا في تأسيس الكتل الاستيطانية الكبرى، وتنفيذ مؤامرات اغتصاب القدس، وغور الأردن، ثم الخليل!
تزخر كُتب التاريخ (بسيناريوهات) الاغتيالات، كانت كلها مراحل للتغيير، وتحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية.
اغتال القادة الرومانيون، منذ فجر التاريخ قائدَهم الأوحد، يوليوس قيصر، عام 44 ق.م لأنه أثقل على القادة الطامحين، ومنعهم من البروز وتحقيق المكاسب، فاتفقوا أن يطعنوه كلهم، حتى يتفرق دمُهُ بينهم، ولا يُتهم أحدٌ منهم أحداً.
كذلك الحال في تاريخنا الإسلامي، عندما جرى اغتيال الخليفة الراشد عثمان بن عفان، لتتحول الدولة الإسلامية من راشدية ليست وراثية، إلى أُموية وراثية!
كذلك الحال في القرن السالف، عندما اغتال شخصٌ صربيٌ مغمور وريثَ عرش النمسا، فرانتز فرديناند، وزوجته، صوفي، عام 1914م، وهما يتجولان في سراييفو، اسم القاتل، غفريلو برنسيب، ما أدى إلى نشوب الحرب العالمية الأولى، من عام 1914- 1919 الحرب التي غيرت خريطة العالم، غيرت القوى القديمة، واستحدث قوى جديدة! فقد هُزمت ألمانيا، وروسيا، والمجر، وتركيا. كان من نتيجة ذلك، التمهيد لحربٍ أخرى جديدة، الحرب العالمية الثانية، بعد عشرين عاماً من الأولى!
أظهرت هذه الحرب كذلك أيدلوجيا ثورية جديدة هي الحركة الشيوعية في روسيا، والنزعة النازية العرقية في ألمانيا.
كذلك اغتال المخطِّطون الرئيسَ الأميركي الخامس والثلاثين، جون كنيدي عام 1963، ثم اغتالوا قاتله بعد فترة وجيزة، وهو في السجن، لإخفاء غايات مُخططي عملية الاغتيال.
أما عن حادثة اغتيال زعيم المقاومة السلمية، المهاتما غاندي، صاحب نظرية العصيان المدني في الهند فتدخل ضمن هذا المسلسل الخطير، فقد نجح أسلوب غاندي في المقاومة السلمية، ضد الاحتلال البريطاني، العسكري، والتجاري، حين فرض البريطانيون المحتلون ضريبة على الملح، لجني الأرباح، فما كان من غاندي إلا أن ابتكر أروع مسيرة في تاريخ الاحتجاج السلمي، هي مسيرة المِلح، عام 1930م عندما بدأ غاندي السير من مدينة أشرم إلى مدينة داندي الساحلية، حيث تبلغ المسافة بينهما 390 كم، بدأ مسيرته بثمانين فرداً من مناصريه، وانتهت بمئات آلاف المنضمين إلى المسيرة، حيث صنعوا الملح بتبخير المياه المالحة، قاطعوا الملح البريطاني، ثم انتشر سوق الملح الوطني الهندي، بدلاً من الملح الاحتلالي البريطاني، ما دفع المستعمرين البريطانيين إلى اعتقال آلاف الهنود، وعندما فشلوا، نفذوا مخطط الاغتيال بأيدي المتعاونين معهم، اغتالوا زعيم العصيان المدني الأبرز في العالم، غاندي عام 1948م، لتزدهر تجارة بريطانيا العظمى!!
هل اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني يهدف إلى تغيير خريطة العراق، وتقسيمه إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر؟ أم إلى تجريد إيران من السلاح النووي، كما يزعمون؟ أم أنه يهدف إلى تقويض الحكم في إيران وتغييره؟ أم أنه نيشان على صدر الرئيس الأميركي، مثل نيشان سلفه أوباما، عندما اغتال بن لادن؟ أم أنه لإغناء التجارة برفع أسعار النفط والغاز والذهب؟!!
أكرر الحكمة الخالدة:
«كُتِبَ على الذينَ لم يقرؤوا التاريخ، أن يُعيدوه مراتٍ ومرات»!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية