تحولت القضايا التي كانت على طاولة العام المنصرم 2019 , الى طاولة العام 2020 , وهي كفيلة أن تجدد نزيف الدم في الأعوام القادمة , فالعام الذي أصبح ماضي كالتاريخ , ترك لنا قضايا لا تزال أفعال مضارعة , وستبقى أفعال المستقبل , لأن الجاني ليس مجرد شخص واحد , إنما هم ساسة كثر , والمجني عليه ليس مجرد شخص واحد , إنما هم شعوب كثر, ورغم أن هذه القضايا كلها خارج القانون , وليس لها محكمة ولا قاضي , ولا محامي , ولا حتى نيابة تمثل الشعب , إلا أنها كانت ولا زالت وستظل في قاعة محكمة الرأي العام..

في العام 2019 تحولت السلطة التنفيذية الى سلطة تشريعية , لتقر القوانين , وأصبح القضاء متفرجاً , في العام 2019 قررت إسرائيل رسمياً تهويد الضفة و القدس , وحجز أموال المقاصة والقضاء على السلطة تدريجياً , ولا زالت السلطة تبحث عن السلام , ولا زالوا ملاك الصواريخ يستنكرون هنا وهناك , في العام 2019 رأينا حكومة منظمة التحرير على شاشة التلفاز , ولم نراها في قطاع غزة , لتبقى حكومة الأمر الواقع سيدة الموقف , في العام 2019رأينا مسيرات العودة ولم نرى العودة , في العام 2019 رفضنا صفقة القرن رغم أننا كنا أدوات التنفيذ , في العام 2019 تحولت التفاهمات من هدنة وهي بمفهومها اللغوي وقف إطلاق النار بين طرفين في حرب قائمة , الى تسوية وبمفاوضات غير مباشرة , مفادها الأمن مقابل الإقتصاد..

ما ذكرت أعلاه لبعض القضايا هو عينة من القضايا اللا شرعية كان سببها الرئيسي هو الإنقسام , ولكن هناك قضايا أيضاً تستحق الذكر لأنها تشكل صراعاً إضافياً للصراع القائم بين " فتح و حماس " , فعندما خرج حزب التحرير ليعلن عن العيد خلافاً للإجماع العقدي الفلسطيني وقرار مفتي الدولة , فهو حينها وضع حجر الأساس لصراع عقدي كان يعمل في الخفاء , وبعد ذلك إكتمل المشهد في التفجيران اللذان نفذهما السلفيين الجهاديين في غزة , ضد أفراد أمن تابعين لحماس , فهذا أيضاً عزز وجود الخلاف العقدي في فلسطين , والذي كان موجوداً من قبل .

أما المفاجئة فكانت أن الشهيد بهاء أبو العطا كان معارضاً للتسوية في غزة , ونتج عن ذلك خروجه عن طوع القيادة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي , وأطلق الصواريخ على إسرائيل , لتتخذ إسرائيل قراراً بإغتياله , ومن ثم يدخل الجهاد الإسلامي في معركة لمدة يومين مع إسرائيل , وخلال هذه المعركة تتغير قواعد اللعبة , لتكون لصالح الجهاد الإسلامي , حيث أنها أثبتت وجودها على الساحة وأمام الرأي العام الدولي والمحلي والإسرائيلي , تلقت إسرائيل الضربات القاسمة من الجهاد , ليتدخل العالم , وكان الجهاد الإسلامي صاحب القرار في السلم والحرب.. ولن تنتهي القضية حتى إنتهى العام بعرض فيلم "جرافيك" من إعداد جهاز الأمن الداخلي , مفاده أن المخابرات الفلسطينية قدمت معلومات تساعد في إغتيال أبو العطا!! وبعيداً عن كذب أو صدق هذا الإدعاء , ولنفترض أن هذا الفيلم حقيقة ومستند على أدلة قاطعة , فالسؤال هنا , لماذا يلتقي يحيى السنوار مع ماجد فرج في غزة أثناء المصالحة وسط القبلات والأحضان , علماً بأنه تم عرض كثير من مثل هذه الأفلام من قبل الأمن الداخلي , والتي تتهم فيها المخابرات في قضايا مشابهة , وذلك قبل لقائات فرج والسنوار , فهل من المنطق أن يتبادل السنوار الأحضان مع من يسلم رجالة لإسرائيل بحسب زعمهم؟؟!! أترك الحكم لك أيها القارئ..

القضية رقم 28/12/2019 جنايات , وهي القضية الأهم والأخطر من بين القضايا اللا شرعية والتي تم ذكرها أعلاه , فهي جائت في أيام الوداع الأخيرة للعام المنصرم , وهي القضية التي تحمل تاريخ خبر رفض إسرائيل للإنتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية , وهو الخبر الذي تم نشره عبر الصحف بتاريخ 28/12/2019 , ليقتل الديمقراطية , ويضع حجر الأساس للحكم الدكتاتوري الفلسطيني , وكأن رغبة إسرائيل إجتمعت مع رغبة أحزابنا السياسية على مائدة القدس الشرقية , فكل منهم رفض الإنتخابات بطريقته الخاصة , لدرجة أننا لم نسمع عن أي خطة أعددتها أحزابنا السياسية لتكون بديلة عن الإنتخابات , كتشكيل حكومة وحدة وطنية , أو حكومة توافق , أو حكومة كفائات مثلاً , أو إبتكار طرق غير تقليدية تمكن أهل القدس من الإقتراع دون حاجة لإسرائيل , فكل ما سمعناه من ساستنا تلك هي الجملة الشهيرة "لا إنتخابات بدون القدس" , وهذا على إعتبار أن القدس لم تباع من الأصل!! .

لم أبالغ إذا قلت أن هناك مئات القضايا المركونة على الرف , تحتاج الى الحكم , بل الآلاف , ولكن القضية الأهم والأخطر , هي القضية رقم 28/12/2019 جنايات , والتي تم فيها سفك دم الديمقراطية , فإذا لم يتم الحكم فيها , سنتحول حتماً الى دولة "دكتاتورية قمعية فاشية" , لا تصلح إلا لكتابة الشعارات والبيانات والإستنكارات .

كاتب صحفي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد