إن إحدى استراتيجيات الدعاية في أي من معارك المنافسة كما هو الحال في الانتخابات، أو بين أي طرفي صراع، تتعلق بنفي الآخر، لكنها منهجية خطرة طالما وُجِدَ لدينا حلقة مفقودة، علينا ملأها وتحصينها كي نستطيع الانطلاق وبقوة.
في هذا العالم لا يوجد حروب نظيفة بالمطلق، لكن هناك حروب ملوثة إلى أبعد الحدود، ولعل الانتخابات وأي سباق بين طرفين على المصالح، يعني بالضرورة أننا نتجه نحو الحرب من النوع الثاني والتي تلوثها المصالح والصراع على القوة وربما البقاء!

وفي الحياة الاجتماعية اليومية قد نختار عدم خوض الحروب الشريرة، لأن فيها احتمال أن تلوثنا بقصد أو بدون قصد، فلا يستوي أبداً العاقل مع المجنون ولا الطيب مع الشرير، ولا المستبد مع المظلوم، هناك شرخ ما بينهما لا يمكن اجتيازه. أما في المعارك السياسية؛ بين الأحزاب والدول ليس هناك خيارات، وفي أقل الأحوال سوءً سنضطر للانحناء أمام التيار، والذكاء هو من يحول هذه الانحناءة إلى بطولة ونصر!
وفي الحالة الفلسطينية فإن نفي الآخر لم ينجح أبداً لاسيما بين حركتي فتح و حماس ، بل ساهم في تقزيم الحزبين لبعضهما البعض، بل واشمئزاز الشارع منهما، وصار الجمهور يردد الحرب الكلامية بينهما والتي تقوم على تشويه صورة الآخر ونفيه، واذا ما نظرنا إلى الواقع نجد أننا لا ندعم أو ننتخب بناء على معلومات مستمدة من حرب التشويه هذه والتي لا تبني الرأي العام، خاصة إذا ما كان الكثير من النقد الموجه للآخر ينطبق علينا.

وبالنظر إلى الاحتلال الاسرائيلي نجد أنه الطرف القوي الذي يستخدم هذه الدعاية في الوقت المناسب، يقتنص الفرص، والأحداث ويفجر قنبلته فيؤكد مثلاً أن الفلسطيني في هذا الحدث ارهابي! إنه لا يمانع أيضاً استخدام الكذب المطلق وتزييف الحقائق وقلبها، لكن قوته العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية وماكنته الاعلامية وكل هذه العوامل تجعل من الصعب وربما من المستحيل أن يبدو كاذباً أمام العالم، يجند كل الوسائل لخدمة الهدف فينتصر، وعلى العكس تماماً فإن أي كذبة من الفلسطينيين وهم الطرف الضعيف بأدواته وليس بحقه طبعاً، كذبة صغيرة يمكن أن تدمر صورتنا لسنوات أمام الرأي العام العالمي الذي لا نملك أدواته، ولا نعمل على امتلاكها، إننا نجند كل الأهداف لخدمة الوسائل، بلا رؤية!

قد يقول البعض إن حرب التشويه ونفي الآخر تضاف إلى سيرة وتاريخ حركة فتح على سبيل المثال والمليئة بالعطاء والتضحية، إنها فتح المرتبطة بانطلاقة الثورة الفلسطينية ومسيرتها على أيدي عظمائها وهم كُثُر! بمعنى أن استراتيجية التشويه وتاريخ الحزب هي آدوات يكمل بعضها الآخر. لكن المحصلة هي أن أسوأ ما أنجزته هذه الحرب والدعاية، عدا عن السخط العام، المزيد من الانقسام وكره الآخر، وللأسف فإن الآخر هنا هم الإخوة وأبناء الوطن الواحد!!


وبالعودة إلى بحثنا عن الحلقة المفقودة، التي بمعرفتها يمكن أن يكون لهذه الدعاية أثر أفضل، اذا ما استخدمت بعقلانية وحكمة الكبار، وألق وشغف وتوق الشباب ليكونوا جزء من معركة القيادة القادمة. هذه الحلقة يمكن تلخيصها بقوة ومتانة الجبهة الداخلية. على الحزب أن يتسم بالقوة في رأيه وعناصره وقراراته، ومن حيث التنظيم والقيادة، قبل أن يهاجم الآخر في عقر داره وينشر عيوبه في الشارع، مع الأخذ بالاعتبار أن ليس كل عيوب الآخر يمكن نشرها، وإلا التصق به بعضها... لا يجب في أي حال من الأحوال وفي كل أنواع الحروب أن تكون قاعدة "فلان" الشعبية مستمدة من الآخر ظالماً كان أو مظلوماً، بل من كينونته، قوته، أعماله، وتاريخه وأدواته.. كلها مجتمعة تجعل بريق النجومية ثابتاً ومضيئاً حتى في النهار...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد