قبل أيام أعلنت مؤسسة أمان في فلسطين , عن التقرير والذي صدر عن منظمة الشفافية الدولية حول الفساد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا , وإحتلت فلسطين المرتبة الثانية عربياً من حيث الفساد بحسب التقرير , ويبدو أن التقرير كان صادماً بالنسبة لهيئة مكافحة الفساد الفلسطينية , ولذلك شككت في موضوعية التقرير وقالت عنه إنه تقريراً إنطباعياً ولا يعكس الواقع ! ويبدو أن هيئة مكافحة الفساد لا تريد أن تظهر عاجزة أمام الرأي العام , وأن قدراتها الذاتية أصغر بكثير من كمية الفساد الموجودة في فلسطين , ولذلك وصفت التقرير على العكس تماماً , عندما قالت أنه إنطباعي وليس واقعي ! ومع العلم أن التقرير واقعي وليس إنطباعي , بدليل أن الرأي العام الفلسطيني دائماً يعبر عن كمية الفساد الموجودة في فلسطين , سواء في حديث الشارع , أو في منصات التواصل الإجتماعي , أو في حديثه عبر وسائل الإعلام الرسمية , وللعلم فإن إنطباع الدول العربية والأجنبية عن فلسطين , وخاصة الدول البعيدة عن دائرة الصراع والغير منحازة , بأن فلسطين دولة ثورية السلوك بسبب أنها تحت الإحتلال , وأنها مشغولة بقضايا النضال والكفاح والتحرر , وأنها أبعد ما يكون عن الفساد بسبب أنها محكومة للقوانين الثورية , بالإضافة الى أنها ذات ثقافة قبلية تحكمها العادات والتقاليد , وهذا الإنطباع عن فلسطين والذي وصل الى الخارج , كان بفضل وسائل إعلامنا والتي تعمل بصبغة ثورية أيضاً , وتنقل الأحداث وكأن الكل الفلسطيني في خندق واحد , وهذا جيد , وحتى الإنقسام الفلسطيني الفلسطيني والتي يتصدر الصحف المحلية والعربية , لم ينقل الصورة كاملة للخارج , لأنه يعبر فقط عن الفساد السياسي للأحزاب السيادية , ولا يعبر عن الفساد المجتمعي والتي تطرقت إليه منظمة الشفافية الدولية في تقريرها , ولهذا فإنني أكرر بالقول بأن هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية , عكست الوصف تماماً عندما قالت أن التقرير إنطباعياً ولا يعكس الواقع .

بدون مجاملات , فعندما يتحول الفساد في فلسطين الى ثقافة عامة , وسلوك روتيني , فهنا الكارثة , لأن الفساد سيتحول الى مفخرة وإنجاز , فمثلاً , لو قام طبيب في مستشفى بحجز غرفة العمليات لصديقه أو لقريبه في أقرب وقت ممكن , وذلك على حساب مريض آخر له الأولوية بإجراء عملية , حينها سيفتخر هذا الطبيب بأن له إتصالات ونفوذ في المستشفى , وفي مثال آخر , فلو قام أحد موظفين المعابر بالتنسيق لصديقه أو لقريبه للسفر , وذلك على حساب شخص آخر بحاجة الى السفر , حينها سيفتخر هذا الموظف بأن له إتصالات ونفوذ , وفي مثال آخر , فلو قام أحد المسئولين في الدولة بتوظيف قريبه أو صديقه والغير كفؤ , على حساب شخص كفؤ , حينها سيفتخر هذا المسئول بأن له إتصالات ونفوذ... ولسبب ما ذكرت , فعلينا أن نقول للفساد , عفواً أيها الفساد , كنا نعتقد أنك جزءاً من مجتمعنا , ولكن مجتمعنا هو جزء منك , عفواً أيها الفساد .

كيف نقضي على الفساد؟

مهمة القضاء على الفساد ستكون صعبة لو نظرنا للكم , لأن الفساد بالجملة , فهو سياسي وقانوني وديني وإجتماعي , ولكن لو نظرنا للكيف , فالمهمة ستكون سهلة , فالكيف تتطلب منا فهم شيئين مهمين للغاية , الشيئ الأول هو فهم وتطبيق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" , والشيئ الثاني هو فهم معنى "الولاية الكبرى والولاية الصغرى" , وبدون الدخول للشرح فقهياً , سأشرح الموضوع بكل بساطة وبطريقة التسلسل , وكالتالي : مهمة المجلس التشريعي أن يحاسب الحكومة , ومن ثم رئيس الوزراء يحاسب الوزير , ومن ثم الوزير يحاسب وكيل الوزارة , ومن ثم وكيل الوزارة يحاسب المدير العام , ومن ثم المدير العام يحاسب مدير الدائرة , ومن ثم مدير الدائرة يحاسب مدير القسم , ومن ثم مدير القسم يحاسب الموظف , ومن ثم الموظف يحاسب الفراش , ومن ثم الفراش يحاسب المجلس التشريعي بعد أربعة سنوات بصفته مصدر للسلطات , وهكذا تكون إكتملت الدائرة في المحاسبة , وهكذا لم يسطيع أي موظف في الدولة وبالشراكة مع المواطن , أن يفتخر بأن له نفوذ وإتصالات عندما يقدم مصلحة مواطن على حساب مواطن آخر , لأنهما سيكونا ضمن دائرة المحاسبة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد