لا يمكن اختصار الخلاف العلني والصريح بين الإدارة الأميركية، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، حول كيفية التعاطي مع البرنامج النووي الإيراني، على أنه صراع شخصي، مؤقت وعابر، ومرهون استمراره أو توقفه بغياب أحد طرفيه أو الطرفين عن سلطة اتخاذ القرار.
الخلاف بين الرئيس الأميركي، و بنيامين نتنياهو حول الملف النووي الإيراني، وموقفه من الأولويات، هو خلاف أقدم من عمر المفاوضات الجارية بين إيران وخمسة زائد واحد، والتي تقترب، من إنهاء السطر الأخير في اتفاق متوقع كما تفيد وسائل الإعلام.
منذ بداية عهد الرئيس أوباما، حاولت الإدارة الأميركية الربط بين الموقف من الملف النووي الإيراني، وعملية سلام الشرق الأوسط، وعلى أساس ذلك باشر السناتور الأميركي جورج ميتشل، مهامه في التوسط بين إسرائيل وفلسطين من أجل استئناف المفاوضات، وكان عليه أن يقنع الإسرائيليين بمعادلة الربط بين ملف النووي الإيراني وملف السلام، لكنه سرعان ما أن تخلى عن مهمته، بعد أن استشرف الفشل مبكراً وخلال أشهر قليلة.
الولايات المتحدة من موقعها الدولي ووفق استراتيجيتها التي تتصل بمصالحها على الساحتين الدولية والشرق أوسطية، تتفق مع الكثير من دول العالم بما فيها إسرائيل على ضرورة منع إيران من استكمال برنامجها النووي، لكنها تختلف مع إسرائيل حول وسائل تحقيق ذلك.
إسرائيل التي تعاني من هواجس وجودية في حال امتلكت إيران قدرات نووية لا ترى سبيلاً لوقف البرنامج الإيراني، واستبعاد تداعياته الخطيرة على وجودها إلاّ من خلال وسيلة واحدة، وهي الحرب والدمار. لكن إسرائيل غير مستعدة لأن تتحمل العبء الأساسي في تحمل تكاليف حرب تنطوي على نتائج كارثية، ولذلك فإنها تسعى لتحفيز الولايات المتحدة على اتخاذ قرار وتشكيل تحالف دولي حربي للقيام بالمهمة.
ولأن إسرائيل تملك نفوذاً في التأثير على القرار السياسي الأميركي، بسبب قوة اللوبي اليهودي، وانطلاقاً من العبث في التناقضات الداخلية بين الديمقراطيين والجمهوريين، وأيضاً لأن الولايات المتحدة من موقعها الدولي هي القوة القادرة على إدارة التحالفات الدولية، لخفض الحروب، فإن نتنياهو مستعد لتحمل ما قد ينجم عن تحديه السافر لإدارة الرئيس أوباما.
لكن ثمة شيئا آخر، وهو أن نتنياهو اختبر هذه الإدارة مرات عديدة خلال السنوات الست الماضية، وخاض ضدها العديد من التحديات، ووجه لها ولرجالاتها العديد من الإهانات، والمحصلة كانت في معظم الأحيان، تراجع الإدارة الأميركية عن مواقفها، والاصطفاف خلف المواقف الإسرائيلية، لا بل إن الضغط الإسرائيلي على إدارة أوباما كان يحفز الإدارة الأميركية على تقديم المزيد من المكافآت، والمزيد من الدعم لإسرائيل.
نتنياهو اختار هذا الوقت لتصعيد الخلاف مع الإدارة الأميركية، ودفع الأمور نحو مزيد من التأزم، لتوظيف هذه الأزمة، في الانتخابات الداخلية التي ستجري بعد أقل من أسبوعين. يتفق الكل بما في ذلك الإسرائيليون أن نتنياهو يحاول أن يقدم نفسه بطلاً قومياً، لا أحد سواه مؤهل لمواجهة المخاطر التي تستهدف أمن ووجود إسرائيل، حتى لو كلفه ذلك غضب الحليف الأميركي، الذي يكرس كل قوة الولايات المتحدة لحماية إسرائيل، وضمان أمنها وتفوقها.
يعلم نتنياهو أنه لن يواجه أية ردود فعل قوية مؤثرة على إسرائيل، نتيجة إقدامه على هذا التحدي الوقح، الذي يقتحم أصول الدبلوماسية والعمل السياسي، ولا يجرؤ أحد على أن يفعلها تجاه أي دولة أخرى، فكل ما صدر عن إدارة الرئيس أوباما، لا يتجاوز حدود المقاطعة الجزئية، والتصريحات التي تعبر عن عدم الرضى.
في الواقع فإن الخلافات الأميركية الإسرائيلية، لا تقف عند حدود الخلاف حول الملف النووي الإيراني، فلقد أقصت الولايات المتحدة إسرائيل من التحالف الدولي الذي تقوده ضد "الإرهاب" في المنطقة العربية، وهي ليست المرة الأولى، وأيضاً ثمة خلاف حول ملف المفاوضات وعملية السلام، والاستيطان، لكن كل هذه الخلافات، محكومة لأساسيات العلاقة بين الدولتين، التي تضمن استمرار العلاقة على نحو متميز.
موضوع إسرائيل والولايات المتحدة، يذهب إلى طبيعة المشروع الصهيوني الذي يقدم خدمة استراتيجية للدول الاستعمارية التي تسعى لضمان مصالحها في هذه المنطقة الحساسة، وبما يجعل إسرائيل دولة وظيفية لا يمكن أن تتغير وضعيتها، إلاّ بنهوض عربي، يشتغل مع الآخرين، مع كل الآخرين وفق سياسة المصالح.
على أنه إذا كانت العلاقات الإسرائيلية الأميركية والأوروبية، قائمة على أساس المصالح، والتوظيف، فإن التاريخ كفيل بحل هذه المسألة، فلقد بادرت الولايات المتحدة لنشر قواعدها العسكرية، وتعزيز وتوسيع وجودها العسكري والأمني المباشر في المنطقة، لتعتمد عليها بالدرجة الأولى في تنفيذ استراتيجياتها وتلبية مصالحها. إسرائيل المدعومة أميركياً، لا تزال، بل أصبحت على مقاعد الاحتياط، بعد أن كانت لعقود تشكل رأس حربة المشاريع الاستعمارية في المنطقة، فلقد تم إقصاؤها عن المشاركة في كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في العقود الأخيرة على المنطقة من أفغانستان إلى العراق والخليج إلى ليبيا إلى العراق وسورية مجدداً.
وإذ لا يمكن المراهنة على الخلاف الأميركي الإسرائيلي في هذه المرحلة فإنه من الخطأ تجاهل هذا السياق، والأهم انه من الخطأ تجاهل مسؤولية العرب إزاء كيفية تعاطيهم مع مصالحهم ومصالح الآخرين بما يؤدي إلى تراجع الدور الوظيفي لإسرائيل، التي ستبدو في وقت ما مستقبلاً عبئاً على المصالح الغربية بما في ذلك مصالح الولايات المتحدة، لكونها تتحول ذاتياً وبفعل ميكانيزمات داخلية إلى دولة عنصرية، ودولة إرهاب. نتائج وتداعيات خطوة نتنياهو وخطابه في الكونغرس الأميركي، أشعلت أيضاً الساحة الداخلية الإسرائيلية، وسلحت المعارضة بذخيرة قوية ربما تؤدي إلى تخفيض شعبيته، وخدمة معارضيه، ولكن بدون أن يتوهم أحد أن ما يسمى باليسار، سيكون مؤهلاً لتشكيل الحكومة القادمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية