يبدو أن العنوان هذه المرة معاكساً للعنوان الذي نسمعه وبشكل يومي من الساسة وأصحاب القرار , وهو "لا إنتخابات بدون القدس " , فبعد تذليل معظم العقبات الداخلية , وموافقة جميع الأحزاب السياسية على الإنتخابات , لم يبقى سوا عقبة القدس , ولحتى هذه اللحظة لم يعلم أي أحد , ما هي نية إسرائيل بخصوص إجراء الإنتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية , رغم الضغط العربي والدولي على إسرائيل بهذا الشأن , وقبل ذلك ضغطوا على الرئيس أبو مازن لإجراء الإنتخابات , ولكن أحزابنا السياسية أعلنت نيتها بعدم إجراء إنتخابات في حال منعها من قبل إسرائيل في القدس الشرقية!! يبدو وكأن الساسة يقولون للشعب "أجت منك يا جامع" , ومع هذا فإن الصلاة في البيت مشروعة , كما وأن الإنتخابات في الضفة و غزة مشروعة , فيجب أن يكون حق الشعب في الإنتخابات مقدس كقدسية مدينة القدس , فلم ولن تعود القدس إلا بعودة حقوق الشعب الدستورية والقانونية في الإنتخابات , وحتى لو كانت في ظروف مستثنية .

يجب أن يخضع موضوع الإنتخابات في القدس الى فقه المنطق , والذي يسمى شرعياً "فقه الأولويات" وهو يعني أنه لمن تكون الأولوية في حال الخيارات , سواء في الثواب أو في العقاب , فمثلاً في باب العقاب فلا يجوز أن تختار ترك القاتل لتعاقب السارق , أو مثلاً تختار معاقبة الساهي عن الصلاة وتترك المرتد , ومن باب الثواب فلا يجوز أن تختار رجل يريد الزواج أو التعليم لتتبرع له بالمال , وتترك رجل مريض يريد العلاج أو رجل جعان يريد أن يأكل.. وكما أن هناك أولويات في الدين , فهناك أولويات في السياسة أيضاً , وبناء على ذلك فلا يجوز أن تمنع الرعية "الشعب" أن تختار الحاكم , بسبب حرمان منطقة جغرافية معينة من الإنتخابات بسبب الإحتلال , ومع إحترامنا الشديد لقداسة وأهمية هذه المنطقة .

يوجد إستثناءات في الواقع الفلسطيني بسبب الإحتلال , فهناك 6 مليون فلسطيني يعيشون تحت قانون الأنظمة العربية , ولا يشاركون في الإنتخابات الفلسطينية , وهناك 2 مليون فلسطيني يعيشون تحت قانون إسرائيل , ولا يشاركون في الإنتخابات الفلسطينية "عرب الداخل" وهم يمارسون الحياة السياسية في إسرائيل , نظراً للواقع الجيوسياسي , وهناك أيضاً 60% تقريباً من مواطنين الضفة الغربية يعيشون تحت إحتلال المستوطنات والحواجز , ومن الممكن أن تمنعهم إسرائيل من المشاركة في الإنتخابات أيضاً , فما ينطبق على القدس الشرقية , هو ينطبق على كل من ذكرت , فالواقع الديمغرافي والجيوسياسي الفلسطيني يضع كل شيئ في خانة الإستثناء , كي تسير الأمور ولا تتوقف عند شيئ معين , ولذلك يجب أن لا تتوقف عملية الإنتخابات مهماً كانت الظروف .

غالبية الساسة وأصحاب القرار يرون أن لا إنتخابات بدون القدس , وذلك حرصاً منهم على أهمية القدس ومكانتها الدينية والتراثية والسياسية , وحق أهلها في الإنتخابات , فلا أحد ينكر ذلك , ولكن ربما يكون العنوان المعاكس هو الصحيح "لا قدس بدون إنتخابات" , وذلك لنفترض أن إسرائيل منعت الإنتخابات في القدس , وهذا وارد جداً , فهذا يعني أنه لن يكون هناك إنتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة , وهذا يعني أن يبقى الشعب الفلسطيني تحت الحكم القصري والإجباري , وهذا يعني أن يبقى الإنقسام , والسؤال هنا , هل الحاكم الذي يحكم حكماً قصرياً وجبرياً ودون إنتخابات , وفي ظل إنقسام , يصلح أن يتحدث عن القدس؟ وهل ستعود لنا القدس في فترة حكمه؟ بالطبع لا , ولذلك فالعنوان الحقيقي هو , لا قدس بدون إنتخابات .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد