خلال شهرين مرا على إجراء انتخابات الكنيست الإسرائيلي الثاني والعشرين، والتي أسفرت عن نتيجة غير حاسمة لجهة تشكيل الحكومة، إن كان من قبل معسكر اليمين، أو معسكر وسط_اليسار، شهدت إسرائيل ما يمكن وصفه بعضّ أصابع سياسي وصل إلى حدود الحرب الأهلية السياسية بين الخصمين، خاصة مع الأيام الأخيرة، حيث وصل العد التنازلي للفترة المحددة المفوض الثاني بنيامين غانتس بتشكيل الحكومة، إلى يوم واحد فقط، حيث تنتهي المهلة يوم غد الأربعاء.


تكتيك نتنياهو اعتمد أولاً على أن يبقى في مقعد رئيس الحكومة بشكل متواصل حتى ينال التحصين في مواجهة القضاء، وحتى يبقي على تحكمه الشخصي في حزب الليكود وفي معسكر اليمين عموماً، وثانياً سارع إلى تكتيل اليمين وتحصين نوابه الخمسة والخمسين ضمن إطار واحد ملزم إزاء مهمة تشكيل الحكومة، خشية أن يوافق أحد الأحزاب _شاس مثلاً والتي لها تجارب في الشراكة الحكومية سابقاً مع حزب العمل_ على الانضمام لحكومة برئاسة غانتس، خاصة أن غانتس وحزب أزرق _ أبيض ليسا يساريين، ومشاركة اليسار لهما _العمل وميرتس_ لا تكون مقررة في رسم سياسة الحكومة، بل تابعة، وسبق لليكود نفسه أن أشرك حزب العمل في أكثر من حكومة سابقة برئاسته.


لكن مقابل تحصين نواب اليمين الـ 55 دفع نتنياهو ثمناً غالياً، تمثل في إغلاق الباب أمام افيغدور ليبرمان وحزبه «إسرائيل بيتنا»، الذي خاض المعركة أصلاً في مواجهة الحريديم، ومن أجل إسقاط نتنياهو بالتحديد، كذلك جعل من المستحيل أن يوافق أزرق_أبيض على حكومة وحدة مع اليمين وليس مع الليكود فقط، لأنه بنوابه الثلاثة والثلاثين سيكون أقلية مقابل خمسة وخمسين، لأن وجود الحريديم يمنع ليبرمان من المشاركة بالحكومة، ووجود اليمين المتطرف يمنع اليسار، وهكذا فقد راهن نتنياهو على أن يبقى مدة شهر ونصف كرئيس حكومة، في انتظار محطة القضاء، ولإجبار خصمه على الاختيار بين الانتخابات الثالثة أو تشكيل حكومة بدعم من القائمة العربية.


أما غانتس وأزرق_أبيض فقد اتبعا تكتيكا أكثر هدوءاً وتضمن الاعتماد على أكثر من خيار، صحيح هو لم يقم بتحصين نفسه كما فعل اليمين بعقد اتفاق مع قائمتي اليسار والعرب، لكنه نسق تكتيكه بالأساس مع ليبرمان، ذلك أن وقوف قائمتي اليسار والعرب معه تحصيل حاصل، فيما كان إغلاق الباب بينه وبين ليبرمان سيعني بأن فرصته صارت مستحيلة، والأهم من ذلك أنه ليس في الحكم، فخروج نتنياهو من مكتب رئيس الحكومة ولو ليوم واحد سيعني خسارته بالنتيجة، فيما فشل غانتس لا يعني خسارته، بل إنه فتح الباب لتكليف خصمه أولاً، حتى يكون احتمال فشله هو تالياً بتشكيل الحكومة يعني الذهاب لانتخابات ثالثة، فيكون ذلك عامل ضغط على الجميع.


أكثر من ذلك لم يظهر التطير إزاء مبادرة رئيس الدولة رؤوفين ريفلين الليكودي أصلاً والذي اقترح حكومة وحدة يتولى فيها نتنياهو أولا رئاستها، وتنازل لاحقاً عن هذا الشرط، لكنه قال بحكومة وحدة مع الليكود ومع ليبرمان أو دونه، وليس مع اليمين، ورفع شعار الدولة الليبرالية في اقتراب من ليبرمان الرافض للحريديم، بما أبقى على وجود «إسرائيل بيتنا» إلى جانبه كل الوقت ولم يخسر لا العرب ولا اليسار.


خلال الحرب الضارية في معركة تشكيل الحكومة، أخطأ نتنياهو الظن حين اعتقد بأن خصومه أغرار في السياسة، وزاد من تعقيد الأمر حين منح نفتالي بينيت وزارة الدفاع، وبذلك أثار غضب ليبرمان، الذي يعتقد بأنها وزارته في التشكيل القادم، كما كانت له من قبل حين منحها له نتنياهو نفسه ولم يمنحها لبينيت بالتحديد، رغم أن البيت اليهودي الذي كان يتزعمه بينت في الكنيست العشرين كان يمتلك مقاعد برلمانية أكثر من» إسرائيل بيتنا»، وكذلك افشل مهمة جاريد كوشنير الذي تدخل مبعوثا من دونالد ترامب لتسهيل إقامة حكومة الوحدة بين الحزبين، ما جعل ترامب نفسه في الأيام الأخيرة يعلن عن رفع يده عن الخاسر نتنياهو و»هو رجل لا يحب الخاسرين».


وبعد أن اعتمد في سياسته بالضغط على خصمه باتهامه بأنه يشكل حكومة يسارية، اعتماداً على لابيد وميرتيس، وحيث تبين له فشل هذه السياسة لأنه بالمقابل يعتمد على اليمين المتطرف وعلى الحريديم، بما يؤثر على موقف الكثير من ناخبي اليمين الليبرالي والمعتدل بمن فيه ناخبي الليكود وليس «إسرائيل بيتنا» وحسب، صب نتنياهو جام غضبه على القائمة العربية، وحول بوصلته ضد غانتس بأنه  يذهب لخيار الحكومة الضيقة استنادا إلى دعم العرب، وهكذا اضطر لاعتماد خطاب عنصري مقيت، صحيح أنه يجد له صدى في أوساط اليمين، لكن له انعكاسات خارجية سلبية، كذلك يهز جوهر ديمقراطية الدولة، فالعرب أولاً وأخيراً مواطنون ونوابهم إنما هم أعضاء طبيعيون في الكنيست.


بالنسبة لأزرق _أبيض الانتخابات الثالثة ليست سيئة كما هو حالها بالنسبة لليمين، وهو بحاجة إلى نحو أسبوعين فقط يتم خلالهما تقديم لوائح الاتهام لنتنياهو، لذا فإن إبداء ليبرمان في الأيام الأخيرة موافقته على تشكيل حكومة ضيقة، حتى بدعم العرب، مبرر لجهة أنه اتفق مع غانتس على أن تكون حكومة مؤقتة أي إلى حين توجيه الاتهام لنتنياهو، والتي بموجبها سيخرج من معادلة الحكم، بما يفتح الباب لحكومة شراكة مع الليكود، ومن جهة ثانية لتجنب الانتخابات الثالثة التي لا يريدها الجمهور، ومن ثم تفتق عقل معسكر أزرق_ابيض/ليبرمان، بعد أن اعتمد غانتس على كسب بيضة القبان، أي ليبرمان على الحكومة الضيقة دون دعم العرب، وهذا يكون بانضمام عضوين فقط من المعسكر الآخر ينشقان عن نتنياهو، أو محاولة الزج بتفويض ثالث، ربما يكون ليبرمان نفسه، ليفرض هو بعد ذلك على نتنياهو فض شراكته مع الحريديم وتشكيل حكومة الوحدة.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد