من الواضح أن الدوافع لإجراء الانتخابات العامة أقوى من أسباب تعطيلها ولكن مع هذا لا توجد ضمانة بأن تحصل ويجري التوافق على كل تفاصيلها مع الإعلان المسبق من الحركات الكبيرة "فتح" و" حماس " عن الالتزام بنتائج الانتخابات مهما كانت. وفي الواقع الوضع في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة مأزوم ووصل إلى طريق مسدود، مع أنه توجد مراكز قوى مستفيدة من هذا الوضع في شقي الوطن ولا ترغب في التغيير.


والذي سيتهم في نهاية المطاف بتعطيل الانتخابات سيواجه نقمة شعبية وقد يدفع الثمن عندما يتاح للشعب أن يفصل في القضايا التي تتعلق بمصيره. وإذا كانت القوى والفصائل سلمت بأهمية الانتخابات كمخرج أو بداية صحيح لمعالجة المعضلة التي تواجه الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بالانقسام الذي حول الوطن إلى كيانين منفصلين ومختلفين، والذي لا سبيل معه لمواجهة المشروع الاستيطاني الذي يستهدف المشروع الوطني والكينونة الفلسطينية، بالإضافة إلى قضايا الفساد وتغول السلطات التنفيذية في ظل غياب المؤسسات التشريعية والرقابية وأشكال المحاسبة المختلفة، فإنها لم تخرج بعد من الحسابات الفصائلية والمصالح الضيقة المرتبطة بالأشخاص أكثر من كونها مرتبطة بمصلحة تنظيم أو وطن. وهنا قد تكون العقبات التي تتعلق بتفاصيل الانتخابات مثل أي نظام انتخابي نعتمد، وكيفية الانتخاب في القدس . وقصة الإشراف على الانتخابات، وهل يكون تمكين الحكومة هو الوسيلة لذلك؟ ومن يضمن نزاهة الانتخابات والأمن بما في ذلك أمن المرشحين أنفسهم؟ فعلى الرغم من التجربة السابقة هناك تغيرات كبيرة حصلت على الأرض ما بين الانتخابات الماضية وهذه الفترة التي نعيش.


أهمية الانتخابات لا تكمن فقط في كونها تشكل رافعة للخروج من المأزق الذي نحن غارقون فيه، بل قبل كل شيء في كونها حقا أساسيا للشعب للاختيار والحكم على الأشخاص والقوى والمرحلة. ولا أحد يمتلك منع الشعب من ممارسة حقه هذا أو تعطيل العملية الديمقراطية. وتخطئ القوى والفصائل إذا ظنت أن شعبنا سيسامح في حقه أو أنه سيتنازل عنه، خصوصاً وأنه ضاق ذرعاً بكل الأوضاع التي يعيشها وضاع ذرعاً بالقيادات على مختلف انتماءاتها وتلاوينها السياسية والفكرية. ومن يريد أن يعرف ما يمكن أن يحصل عند تجاهل مطالب الشعوب عليه أن ينظر حوله ببساطة ويرى ما يحصل في العالم العربي، وليس في أوروبا أو أميركا أو أي مكان لا ننتمي إليه، فنحن جزء من الأمة العربية بثقافتها ونمط حياتها، وهي قررت في نهاية المطاف قلب الطاولة وأخذ مصيرها بيدها، وشعبنا ليس بعيداً عن هذا الواقع وهذا التفكير، حتى لو كان يعيش تحت احتلال لا مثيل له في العالم ولديه ظروف مختلفة عن الشعوب التي لديها دول وكيانات مستقلة ومتبلورة، حتى لو كانت تعاني من مشاكل بنيوية أو سياسية أو اقتصادية- اجتماعية أو جميعها.


ربما هذا الاختلاف بيننا وبين الشعوب العربية التي قررت أن تنتفض وتغير واقعها، بغض النظر عن مستوى نجاحها الذي يختلف من دولة إلى أخرى، هو الذي يجب أن يدفع القيادات الفلسطينية جميعها إلى التفكير في إنقاذ الوضع قبل أن نصل إلى مستوى الانهيار التام، وحصول الطوفان الذي قد لا يبقي شيئاً. فشعبنا عندما يثور ويخرج للشارع لن يتصرف كالشعب التونسي أو اللبناني أو حتى الجزائري، بمعنى لن تكون حركته سلمية هادئة، بل قد تذهب مع الوقت نحو العنف والفوضى بسبب وجود الاحتلال الذي ترى فيه الجماهير سبباً جوهرياً لتردي أوضاعنا وما وصلنا إليه. ولكن هذا ربما لن يحمي القيادات المحلية من أن تكون وجهة الجماهير القادمة للإطاحة بها وبكل المبنى القائم.
لا أعتقد أن أحداً يريد أن يصل إلى هذه المرحلة، ولكن في نفس الوقت هناك كثيرون لا يدركون خطورة الوضع ويركنون إلى الهدوء الذي طال أمده كثيراً في سكوت شعبنا على المآسي التي يتعرض لها والتي بعضها بسبب سلوك أبنائه وقياداته، أو يخطئون الظن بما يمكن أن يقوم به الشعب المغلوب على أمره، وشعبنا ليس أقل من اي شعب آخر في الإقليم والجوار. وينبغي ألا يصل الناس إلى حد الانفجار الذي لا يُبقي ولا يذر.


يبدو أن "حماس" استوعبت دروس ما يجري من حولنا، فقامت بالموافقة سريعاً على الدخول في الانتخابات وفق ما طرحه الرئيس أبو مازن بأن تكون تشريعية أولاً ومن ثم رئاسية وتأجيل انتخابات المجلس الوطني إلى مرحلة لاحقة. وقد يكون تفكيرها بأن هذا هو الوقت الأنسب لها كي لا تخسر ما تبقى من قوتها وكي تحصل على الشرعية التي تحرص عليها، وربما أيضاً بسبب شعورها بأن وضع منافسيها ليس أفضل حالاً من وضعها، أو قد يكون تفكير بعض قادتها بأن الرئيس أبو مازن وحركة "فتح" سيتراجعون إذا ما أعلنت عن قبول شروط الرئيس. ونوايا "حماس" يمكن اختبارها عملياً في الترتيبات للعملية الانتخابية، والسؤال: هنا هل ستمضي القيادة قدماً في عملية الانتخابات مع قبول "حماس" وإعلانها أنها ستذلل العقبات في وجه الانتخابات لإنجاحها، وهل سيعمل الطرفان معاً ومع كل الفصائل والقوى لضمان نجاح العملية والاستجابة لحق المواطن في قول كلمته وفي تغيير الواقع المأساوي الذي يعيش، أم أن كل طرف سيبحث عن مبرر لدى الطرف الآخر للتعطيل، ويتحول الموضوع إلى شعارات تنتهي بالفشل وبإحباط الناس ودفعهم للشارع؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد