أكاد أجزم أن صحيفة "الشروق العربي" الأسبوعية ثم "الشروق اليومي"، لم تخل في أي عدد من أعدادها من كلمة فلسطين، منذ تسعينيات القرن الماضي، ليس بسبب حب الجزائريين الكبير لفلسطين فقط، بل لوجود السيد علي فضيل شديد الانتماء لفلسطين وكل قضايا أمته العربية والإسلامية على رأس هذه الصحيفة، التي بلغت حدودا غير مسبوقة عربيا وعالميا في التوزيع والطباعة.

 

الحديث عن المرحوم "سي فضيل" مدير مجمع الشروق الإعلامي الذي بدأ بصحيفةٍ أسبوعية ثورية، انطلقت مع تحول هام في الجزائر، نحو مرحلة التعددية السياسية وما رافقها من عشرية دموية سوداء، حديث عن مرحلة هامة من تاريخ الجزائر وضع الإعلاميُّ الثائر بصمته الواضحة في الحدث اليومي الجزائري، كان ولا زال قريبا إلى آلام وآمال الجزائريين عبر صحيفة تحولت إلى مجمع رائد يضم مجموعة من القنوات الإعلامية المميزة التي نقلت الجزائري من الفضاء الورقي إلى عالم الصورة المدهشة دون أن تفقد الصحيفة اليومية حضورها في أكشاك 48 ولاية جزائرية.

 

ما واجهه الإعلاميُّ الكبير صعبٌ وشاق، وأحيانا خطير، لكنه ببساطته المعروفة وتواضعه واجتهاده الخاص، تمكن من هزيمة كل التحديات والمصاعب، وتحولت الأخطار إلى فرص واعدة، صنعت جيلا من الإعلاميين الجزائريين بقيادة قبطان ماهر جعل الشروقَ مدرسة إعلامية مميزة تجاوزت حدود الجزائر واستدعت اهتمام ودراسة كثير من المختبرات الصحفية، وربما حكومات ودول.

 

رغم صناعته عدة قنوات إعلامية، بقي المرحوم أسير “الشروق اليومي” في مكتب صغير تملأه الأوراق المكدَّسة، يستقبل الجميع ويتحدث بعفوية لا تُخفي ذكاءً لامعا، وقدرة عجيبة على الحوار والإقناع بلغة بسيطة خاصّة، تبصر من خلفها رجلا من معدن خاص، يحمل صفات الجزائري العنيد والطيّب.

 

فلسطين لم تكن حدثا عاديا عبر الشروق، لكنها كانت قضية بتوجيهات مباشرة من المرحوم علي فضيل، ومساحة لكل الأطراف الفلسطينية، الهدف دوما القضيَّة وحضورها، من دون تمييز بين ألوان الطيف الفلسطيني، وخلال تجربتي الممتدة مع الشروق منذ عام 2006 لم أتلقَّ فيتو على أي مقابلة أو تقرير صحفي، بل كانت الشروق تستلهم الموقف الرسمي الجزائري في ميزة خاصة، مفادها: دعوا الفلسطيني يتكلم عن فلسطين دون تدخُّل أو تجيير، وهذه شهادة بحق الرجل والمؤسسة الإعلامية.

 

وجود السيد علي فضيل على رأس صحيفة يومية وقنوات متلفزة جعلها تتجاوز دورها الإعلامي في التعامل مع فلسطين، من خلال مشاركة فاعلة في سفن كسر الحصار عن غزة ، وإرسال الموفَدين إلى القطاع المحاصَر، لدرجة كانت الشروق شريكا أساسيا في جمع التبرُّعات وإرسالها إلى غزة، ومن التبرعات دفعت الشروق من جيبها الخاص معوناتٍ طبية وإنسانية لكثير من الأسر الفقيرة بغزة، بقرار شخصي من المرحوم، وندعو الله أن يكون هذا العملُ الصالح في ميزان حسناته ومدخلاً لتكريمه يوم الحق.

 

في يوم رحيلك المفاجئ والصادم، نقول لكم من كل منبر فتحته للعلماء، ومساحة لهموم الجزائريين البسطاء، وتطلعات كل عربي ومسلم، وباسم فلسطين التي انتميت لها بالفعل قبل القول: وداعا إلى حُسن المستقر وواسع الرحمة بين يدي ربٍّ حنَّان منَّان، ولأهلك وأسرتك الصبر، ولميراثك الكبير مؤسسة الشروق المزيد من التقدم والتطور والتمييز بأيدي أشقاء تعلموا منكم الكثير، وزملاء عاهدوك بصادق الدموع والعهود بأن تبقى الشروق إشراقة قوية وصافية لوجه الجزائر الجميل، ومنارة لكل عربي حتى ينتهي زمن العرب الهابط إلى خير أمة، أملٌ لم ينقطع نحمله بعدكم بمهمة لا تضاهي همتكم وعزمكم سيدي علي فضيل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد