إنها اللحظات الاخيرة الحاسمة ... لحظات ساد فيها ترقب وصمت مريب وشد للأعصاب .. الكل جالس بجانب السرير الذي ترقد عليه طفلة وصلت في حالة حرجة بحادث سير.. الأب ينظر الى ذاك الجهاز الذي تُرسم على شاشته نبضات طفلته ودقات قلبها، وقلبه يرتجف خوفا عليها، وامها تضع رأسها بجانب رأس طفلتها التي تعيش الدقائق الاخيرة من حياتها ... وآخر يجلس تحت قدميها ويتضرع لربه ليشفيها مما حل بها ...انها اللحظات الرهيبة الممزوجة بالخوف عليها والندم من تصرف لا مسؤول لطفل طائش ساعدته بعض الظروف لقيادة مركبة غير قانونية ..وترقب لتقرير الطبيب الذي دخل لتوه لغرفتها وطلب من الجميع المغادرة فانصاعوا جميعهم ، ولكن والدها شعر بان الامر مريب فنظر اليها ليجد احدى عينيها قد فتحت وتسللت من بين رموشها نظرات طفولية عابرة لم يكن لأحد في الكون ان يفهمها سوى من رباها وعايشها انه ابيها ومحبها ..نظرة اختلط فيها الحب والعتاب والخوف والوداع الاخير والوصية والطلب بالمحافظة على شقيقها الوحيد وشقيقاتها وجعلهم يبتعدون عن هذا التابوت الذي حملها وكان الوسيلة والوسيط بين الحياة الدنيا والحياة الابدية ...نظرة قالت فيها الكثير لكنه فهم منها انها ليست غاضبة منه وانها سامحته لكنها عاتبته على سرعة تعليم شقيقها رغم صغر سنه لقيادة مركبة مشطوبة وغير قانونية دون ان يُعلمه مدى الخطر الذي يحدق به ...نظرة قالت فيها بلسان الثغ ابي ركبت الثيارة وتقصد السيارة التي اشتريتها انت وهي مشطوبة ولا اعلم ما معنى ذلك وعلّمت شقيقي الوحيد ثياقتها وكنت احب الثفر معه وفي ثباح هذا اليوم تركت العابي الجميلة وفطوري وكوب حليبي الذي اعدته امي التي تبكيني بحرقة الان لأنها لم تستطع منع الموت مني وتوجهت مع اخي وحبيبي وذهبت معه في رحلة قصيرة لا تتعدى بضع دقائق بمركبته المشطوبة ولا اعرف معنى هذه الكلمة لكنني شاهدت قِطعها تتناثر على جانبي الطريق وعجلاتها المهترئة وهي تنزلق عن الشارع وسمعت صوت محركها العالي دون ان تهتم بإصلاحه و اضوائها المكسرة وفحص فرامها التي لا تستجيب لان ثمنها بخس... ذهبت لأشاهد الطلاب وهم ذاهبون لمدارسهم لأرسم خارطة مستقبلي رغم صغر سني ولأخطط كيف سأكون مثلهم وكيف سأختار لون حقيبتي ودفاتري واقلامي ، واحدد اسلوبي في اختيار صديقاتي ... ذهبت ولم اتوقع بان هذه السيارة المشطوبة ستكون اداة قتلي ونهاية حياتي وعمري بلحظات طيش لطفل لم يُقدر خطورة السرعة ولم يعي بان ما يقوده هو تابوت الموت الذي سينقلني من حياة الدنيا الى الحياة الاخرة .. ولم اتوقع انا بانها القنبلة التي ستُفجر راسي وتقذف بدماغي خارجه وتمزق جسدي الرقيق اربا وتنثر لحمي على الطريق... فرحت بزيادة سرعتها واعتقدت بانها لعبة جميلة نتسابق بها مع الاخرين ..تبسمت وانا اقف بداخلها وانظر من نافذتها واشاهد الاحجار والاشخاص والاشجار يسيرون بسرعة كبيرة وهم واقفون واحاول فهم ذلك ولكنني وصلت للحقيقة بان مركبتنا هي التي تتحرك بسرعة الريح وهم واقفون نحن نتعرض للخطر وهم بعيدون ..نحن الذين نموت وهم باقون احياء لان مركبتنا مشطوبة وانقلبت وقتلتنا ... وقبل ان تغمض عينيها وتفارق روحها جسدها لبارئها قالت لأبيها لا تقتلونا بمركباتكم المشطوبة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد