في زيارة عمل لإقليم كردستان العراق، بدءاً من يوم 19/2/2015، ذهبت لأرى كمراقب وباحث ومدقق، وأعرف عن قرب، وأسمع لأكتب، استكمالاً لمشروع كتابي السابع عشر، الذي سيحمل عنوان «التنظيمات الإسلامية الخمسة العابرة للحدود: الإخوان المسلمون، ولاية الفقيه الإيرانية، حزب التحرير الإسلامي، القاعدة و»داعش».
التقيت بالعديد من القيادات السياسية والأمنية وأصحاب الرأي ورجال الأعمال، الذين تتوزع مواقفهم وتقديراتهم ما بين الثقة والقلق، فالإقليم بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، ويسمونه عام السقوط، سقوط النظام السابق، تحول إلى خلية عمل، مثل بلدان الخليج العربي الثرية وهو صاعد في أهميته ودوره، وفي نموه، فالأبنية والشوارع والحدائق والجامعات والمستشفيات والأبراج العالية والجسور والأنفاق والاستثمارات منتشرة، ولكنها مترافقة مع حالة فساد، كأي بلد من بلدان العالم الثالث، تتحكم فيه قوى نافذة، تتوق للرفاهية والمال، وتتلهف لشراكة المستثمرين ورجال الأعمال، لتكون جزءاً من التطور وإثراء جيوبها تعويضاً عن سنوات الحرمان وثمناً لنضالاتها في زمن المعارضة والقمع .
زرت أربيل والسليمانية وكركوك، وهذه الأخيرة وصفها لي مرافقي من ضباط البيشمركة بقوله « إنها جزء من أرض الكرد عادت إلينا وستبقى، لأنها قلب القضية الكردية، وهي بالنسبة لنا مثل القدس بالنسبة للفلسطينيين، لا نستطيع الاستغناء عنها ولن نساوم عليها « .
حينما أعلنت «داعش» الثورة، واستولت على الموصل في 9 حزيران 2014، كانت القيادة الكردية قاصرة في رؤيتها لا ترى خطراً مقبلاً عليها، فقد رأت أن «داعش» تهدف إلى محاربة إيران والشيعة ونظام بشار الأسد، وتستهدف حكومة المالكي الطائفية الموالية لطهران، ولسان حال القيادة الكردية كان يقول « لا داعي إلى القلق، فالمعركة ليست معركة الكرد و»داعش» لن تقترب من الإقليم، ولا تستهدف الأكراد « ولكن قوات «داعش» اقتربت من حدودهم فأيقظت روح التحدي لديهم، فدب الوعي والإحساس بالخطر لدى الأكراد، فاستنفروا، وغدت معركتهم وأمنهم، وهم اليوم في قلب الحدث وحدودهم ساخنة تتعرض لمحاولات الاجتياح المتكررة وتسلل عناصر تفجيرية وسيارات مفخخة، ولذلك قاتلت نساؤهم بشجاعة تفوقت فيها على الرجال، لأن سلوك وممارسات «داعش» والقاعدة وضعت الأكراد أمام مصير محتوم، ولا خيار لهم سوى الموت بمذلة أو الحياة بكرامة .
سقط المئات من مقاتلي البيشمركة، شهداء في معارك المواجهة ضد «داعش» التي أعلنت استعدادها لمبادلة جثامين الأكراد بالدولارات، وثمة فرق في السعر بين جثمان الجندي عن سعر جثمان الضابط، أما الأسرى من الأكراد فهم بالعشرات، وقد وضعتهم «داعش» بأقفاص حديدية وطافت بهم أماكن تواجد قواتها ونفوذها، قبل تنفيذ قرار تصفيتهم مثل باقي الأسرى الذين أعدمتهم من المدنيين والعسكريين، وهي تفعل ذلك للمساس بمعنويات الأكراد وإضعافهم، ولكن حصيلة رسالتها جاءت متعاكسة لرغبتها، حيث تزداد ضراوة عمل البيشمركة وإصرارهم .
«داعش» أقوى مما يقال عنها، هذا هو تقييم « مُلا بختيار « أمين سر المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، حزب الرئيس جلال الطالباني، فهي « تملك السلاح والمال ولديها مجموعات بشرية بالملايين تسيطر عليهم، فتقوم بتجنيدهم، ويتدفق عليها المئات من المتطوعين من أنحاء العالم للدفاع عن مشروع الدولة الإسلامية ولذلك معركة المواجهة مع «داعش» والقاعدة يقول مُلا بختيار، ليست معركة أيام أو أسابيع بل ستمتد لسنوات، وإن كان نتيجة مشروعها الفشل والهزيمة كما يتوقع لسببين :
أولاً لأنها متطرفة لا تقبل أنصاف الحلول، ولا تقبل بالحيادية، فموقفها إما إنك معها أو ضدها.
أما السبب الثاني فيعود إلى أن موقفها المتطرف هذا برفضها للحيادية، تفرض على قطاعات واسعة من العراقيين أن يقفوا ضدها، ولذلك تتسع جبهة خصومها على المستوى المحلي الميداني كما حصل مع الأكراد والعشائر العربية ومع قطاعات واسعة من السنة بعد أن وظفتهم لصالحها في غمرة شعورهم بالتمييز الطائفي، ولكنهم لم يجدوا لدى «داعش» ما يعوضهم عما فقدوه في السنوات السابقة».
ضباط الجيش العراقي وجنوده تعرضوا للظلم لعدة مرات، فقد واجهوا الهزيمة والموت من ضربات الجيش الأميركي، وتم تسريحهم من قبل حكومة بول بريمر الأميركية، فأصبحوا بدون رواتب وبدون تعويضات، وبغياب أية ضمانات معيشية أو صحية، فتحولوا من جيش مقاتل عامل منظم إلى جيش من العاطلين عن العمل، وبعد أن انخرط بعضهم للعمل في جيش حكومة المالكي تعرضوا للظلم والتمييز والهزيمة مرة أخرى، ولم يجدوا أمامهم فرص الثأر والعمل والمال الإ لدى «داعش» والقاعدة فتجندوا وانخرطوا للعمل في صفوفها .
قوة «داعش» رغم الضربات المكثفة والمركزة والمتتالية، ما زالت تملك فرص المناورة والانتقال من موقع إلى موقع، ولديها مبادرات هجومية، اعتماداً على المال والرجال والعقيدة القتالية، بينما يفتقد الجيش العراقي للإمكانيات، فخزينة الدولة خاوية من المال الذي تم سرقته أو استهلاكه، وأسعار النفط متدنية، والعقيدة القتالية مهزوزة، ولولا رجال العشائر العربية الذين دفعوا أثماناً باهظة من خيرة شبابهم في التصدي لـ «داعش»، والضربات الجوية من قوات التحالف وصمود الأكراد أمام محاولات اختراق دفاعاتهم، لاستطاعت «داعش» التمدد وكسب المزيد من الأراضي، ولذلك جاء وقف تمددها ليشكل انتصاراً للعراقيين، ومحاولات زحزحتها عن بعض المواقع بمثابة هزيمة مؤكدة لها، ولكن المعركة ما زالت سجالا، ورحلتها ما زالت طويلة.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية