الإسلام لم يحرم العبودية , ولكنه هذبها , ووضع لها قوانين وأحكام تناسب حاجة الناس , فالعبودية ليس من بدعة الإسلام , إنما هي موروث إجتماعي من أيام الجاهلية , فالإسلام تعامل مع هذا الموروث من باب التكريه وليس التحريم , حرصاً منه على أمرين مهمين للغاية , وهما : حماية المنظومة الإجتماعية والإقتصادية من الإنهيار في ذلك الوقت , والتي كانت قائمة على شغل العبيد , والتي كان يعتبر نصف المجتمع آناذاك , وحماية الإسلام من أعدائه , ومن هنا إعتمد الإسلام على مقصدين مهمين , وهما : تجفيف منابع العبودية وجعلها منبع واحد وهو "الحرب المشروعة" , و فتح أبواب العتق من العبودية بعد أن كانت باباً واحداً وهو "إرادة السيد" , وفيما يلي سأشرح الموضوع ببساطة أكثر..

في الجاهلية كان العرب منقسمين الى قسمين , العبد والسيد "الفارس والفلاح" , فكان السيد وهو الفارس الذي يحمل السيف ويركب الخيل ويدافع عن القبيلة , والعبد وهو الفلاح الذي يعمل في الحقول والبيوت ويزرع ويقوم على خدمة الناس , فكان السيد حينها يشتري الأرض أو المنزل مع الخدم والمزارعين "العبيد" بميلغ وقدره , وإذا أراد أن يبيع فبنفس الطريقة , وأيضاً الحياة الإجتماعية كانت قائمة على نفس المبدأ , فالعبد يتزوج العبدة وينجبو عبيد , ليكونو تحت إمرة السيد ومن ضمن ممتلكاته , وفي حال بيعهما لسيد آخر , تصبح عائلة العبيد في ملكية السيد الجديد...إلخ , هكذا كانت المنظومة الإجتماعية والإقتصادية في ذلك الوقت , فإذا أتى الإسلام حينها وحرم العبودية تحريماً قاطعاً , فهذا يعني هدم مباشر لهذه المنظومة , لأن العبيد عندما يحصلون على حريتهم دفعة واحدة , سيطرون لحمل السيف وركبون الخيل وهم لا يفقهون شيئ بهذه المهنة الجديدة , ويتركون العمل والزراعة , ليصبح السيد "الفارس" مزارع وعامل وهو لا يفقه شيئ بهذه المهنة الجديدة , وهذا سيحول الأمر الى كارثة إجتماعية وإقتصادية , لأنه سيكون الرجل الغير مناسب في المكان الغير مناسب , وسيؤدي ذلك الى مزيد من الحروب والمجاعات , ولهذا السبب لم يحرم الإسلام العبودية , وعمل على تكريهها وتجفيف منابعها , لتختفي هذه الظاهرة تدريجياً , بواسطة فتح أبواب كثيرة للعتق , فكفارات اليمين فيها عتق رقمبة , والزكاة فيها عتق رقبة , والصدقة فيها عتق رقبة , والتعزير فيه عتق رقبة...إلخ , وعتق الرقبة يعني شراء العبد بهدف منحه الحرية , ورغم ذلك لم تحرم العبودية ولن تحرم , لأن القرآن صالح لكل زمان ومكان , وهذا يفتح لنا المجال لمعرفة الشق الآخر , وهو سبب بقاء باب العبودية مفتوحاً الى يومنا هذا..

كان السيد يمتلك العبد نتيجة الغزوات والحروب , ونتيجة البيع والشراء , ونتيجة الإهداء , ونتيجة الميثاق , بمعني : أن يتفق إثنين على أن يمتلك شخص للآخر لينفق عليه مقابل أن يقوم الآخر بخدمته...إلخ , فهذه الوسائل تعتبر المنابع والتي جففها الإسلام , ولم يبقي منها سوى منبع واحد , وهو "الحرب المشروعة" , والسبب في ذلك هو حماية الإسلام من أعدائه , وإرهاب العدو وإذلاله في حال فكر أن يغزو أرض الإسلام , فأراد الله في هذا التشريع أن يجعل كل كافر معتدي على حرمة وأرض الإسلام , عبداً ذليلاً تحت إمرة المسلمين , كي يفكر العدو ألف مرة قبل أن يغزو أرض الإسلام , بأنه سيكون عبداً هو وزوجته وأولاده عند المسلمين في حال خسر هذه الحرب..

إستمرت هذه العبودية التقليدية بخيرها وشرها حتى إنهيار الدولة العثمانية , وتحديداً حتى ميثاق الأمم المتحدة عام 1949 , لإنهاء ظاهرة العبودية في العالم , والذي إلتزمو به العرب ووقعو عليه , ومنذ ذلك الحين تحولت العبودية الى عمل غير مشروع قانوناً , لتمارسه "مافيا البشر" في بعض المناطق التي تعاني من الحروب والمجاعات والكوارث , وبعد الغزو الأمريكي للعراق وظهور داعش , عادت العبودية التقليدية من جديد على يد داعش , فبعد أن سيطر "تنظيم الدولة الإسلامية" داعش على ثلث العراق , وثلث سوريا , وثلث ليبيا , وثلث سيناء...إلخ , في السنوات الماضية , قامو بفتح أسواق للعبيد , ليتم بيع وشراء كل من هم مخالفون لداعش في هذه الأسواق كعبيد , وبعد أن أسر من أسر , وقتل من قتل , وحتى يومنا هذا..

العبودية الفكرية..

الى جانب العبودية التقليدية , تعددت أشكال العبودية , مثل عبودية المال , وعبودية الشهوات , وعبودية الإبتزاز , وعبودية المنصب , وعبودية القهر...إلخ , ومن أخطر أشكال العبودية وخاصة في زمننا هذا , هي "العبودية الفكرية" , فعندما يكون الشخص منا يتبع لحزب سياسي أو لجماعة أو لنظام حاكم , قد يبرر عبوديته "الطاعة العمياء" بأنها ستحميه من فقدان الراتب أو المنصب أو اللقب التنظيمي , وحينها سيكون بداخله صراع بين ما هو مقتنع به , وبين ما هو مطلوب منه , ولكن المشكلة الحقيقية أن لا يكون لديه صراع أصلاً , وتتحول المصالح الشخصية الى قناعة داخلية , بمعنى : إذا كان الشخص منا مقتنع بداخله تماماً , بأفكار من يتبع إليه , دون مراجعة ودون نقاش ودون تحليل , وأن الجهة التي يتبع إليها معصومة من الخطاً , فهذا يعني أنه أصبح عبداً في صفوف العبودية الفكرية .

كاتب صحفي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد