يبدو أن قطار المصالحة وصل إلى نهاية الخط ولم يعد بالإمكان زحزحته بأي اتجاه، وأضحى الموضوع برمته مجالاً للتصريحات الفارغة التي لا تتجاوز الشعارات في أفضل الأحوال، وتحولت حكومة التوافق الوطني التي تم تشكيلها لتنفيذ برنامج المصالحة إلى عنوان لتوجيه الاتهام وتحميل المسؤولية وهي فعلياً لا حول لها ولا قوة، ولا تستطيع أن تفعل شيئاً وخاصة في قطاع غزة الذي لا يزال تحت حكم وسيطرة « حماس » الكاملين بالرغم من كل الدعوات الإعلامية الخالية من أي مضمون للحكومة لتولي مسؤوليتها والتي لا يصدقها أي شيء على الأرض، بل إن الأمور تذهب إلى الأسوأ في القطاع في ظل حالة الفوضى المستشرية والصراعات الداخلية الآخذة في التفاقم.
نحن الآن في حالة من تبادل الاتهامات بالحيلولة دون تحقق المصالحة، فـ»حماس» تتهم «فتح» وعضو لجنتها المركزية عزام الأحمد المكلف هذا الملف بالتسبب في تعثر العملية، كما تكيل الاتهامات لحكومة التوافق برئاسة د. رامي الحمد الله لتقصيرها في القيام بواجباتها تجاه قطاع غزة وخاصة في موضوعي رفع الحصار والبدء في إعادة الإعمار. وفي المقابل «فتح» ومعها فصائل في منظمة التحرير تتهم «حماس» بتعطيل المصالحة من خلال الإصرار على التمسك بالسيطرة الكاملة على كل مفاصل الحياة في غزة وخاصة المعابر، الأمر الذي يحول دون رفع الحصار وتنفيذ برنامج الإعمار، وأيضاً منع حكومة التوافق من القيام بواجباتها بسبب مشكلة رواتب موظفي «حماس» ورغبة الأخيرة في احتفاظهم بمواقعهم وإدارة الوزارات والمؤسسات من خلالهم. والنتيجة أن الانقسام ثابت وراسخ والمتغير الوحيد هو حال المواطنين في قطاع غزة الذي يسوء يوماً بعد يوم لدرجة أن الأمنية الوحيدة الأهم التي تداعب مخيلة معظم أهالي غزة وخاصة الشباب منهم هي الهجرة إلى أي مكان خارج هذا السجن الكبير.
والواقع أنه لا يوجد اهتمام حقيقي وكاف من مختلف مستويات صنع القرار بالمأساة التي أصابت غزة والتي خلقناها بأيدينا في الجزء الغالب منها، والأمور بالنسبة للكثيرين الذين لا يعيشون هذه المأساة يمكنها أن تنتظر إلى ما شاء الله. في ذهن الجميع لا يوجد مخرج من الأزمة، فالكل ينتظر أن يغير الطرف الآخر مواقفه أو يتفق الطرفان على حلول وسط جديدة مقبولة عليهما، وهكذا لا يوجد حل في الأفق لأن الجميع يحصرون تفكيرهم بالعملية المتعثرة القائمة دون النظر في أشياء أخرى. واذا بقي الوضع على حاله سنشهد مشكلة قبرص التي لم تحل حتى اليوم وسيغلق الباب نهائياً أمام فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. والموضوع في منتهى الجدية والخطورة بحيث أن الغريب هو عدم الإسراع في إيجاد حل سريع للأزمة، خاصة وأن الأوضاع الإسرائيلية تتغير دائماً باتجاه الأسوأ وتأتي حكومات وتذهب ونحن على حالنا.
نحن بأمس الحاجة للبحث عن بدائل لعملية المصالحة بشكلها الحالي الذي استمر لسنوات دون أي نتيجة لتحقيق الوحدة الوطنية المنشودة. والبديل الواقع الذي يوافق عليه الجميع نظرياً على الأقل هو الانتخابات العامة، وهذا خيار واقعي ومطلوب في كل الظروف لأن المؤسسة التشريعية معطلة والانتخابات تجاوزت الفترات التي نص عليها القانون منذ زمن بعيد، وهناك ضرورة للتجديد. كما أن الانتخابات تشكل بديلاً واقعياً لمشكلة من يسيطر على القطاع والضفة، فالذي يفوز هو الذي يحق له أن يحكم سواء منفرداً أم في إطار ائتلافي.
والسؤال الجوهري هنا هو مدى جدية القبول بفكرة الانتخابات والاحتكام لنتائجها في حل الخلاف المستعصي والمستفحل، لأنه إذا لم تصدق النوايا لا شيء يمكن حله، خاصة وأن «حماس» لا تزال تمسك بخناق القطاع وتتعامل معه كحصتها من الكعكة، كما أن هناك فئات وشرائح في الضفة الغربية لا تريد عودة القطاع. ولكن شيئا ما لا بد من أن يحسم في هذه القضية وبدون الحسم ستبقى الأوضاع كما هي عليه إلى أن تقضي إسرائيل على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية ويتحول الحلم الفلسطيني في الاستقلال إلى سراب ووهم غير قابل للتحقيق.
الرئيس أبو مازن هو صاحب القرار في شأن الانتخابات ويستطيع أن يطرح مشروعاً متكاملاً حوله على المجلس المركزي في دورته القادمة في أوائل الشهر القادم، إذ لا ينبغي أن ينحصر النقاش فقط في الخطوات التي يجب اتخاذها رداً على الإجراءات الإسرائيلية التي قد تتغير بفعل الانتخابات القادمة في إسرائيل أو بفعل الضغوط الدولية، مع أنه من المهم التلويح بموقف حاسم ضد إسرائيل إذا استمرت في مواقفها الحالية، وخاصة مصادرة أموال الضرائب والبناء الاستيطاني المكثف في كل مناطق الضفة الغربية وعلى وجه الخصوص في القدس . وعلى المجلس المركزي أن يحسم بالضرورة في موضوع الانقسام قبل أي شيء آخر، لأن العالم لن يأخذ مواقفنا على محمل الجد ويتعاطى معها إيجابياً عندما نكون عاجزين عن حل مشكلاتنا الداخلية، والانقسام ليس مشكلة عابرة بل خطر وجودي، ولا بد أن ينظر إليه على هذا النحو، وسيصبح كارثة لن تكون أقل مستوى من النكبة أو حرب حزيران عام 1967 إذا لم يعالج بأسرع وقت.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية