لا توجد قضية في التاريخ تعرضت لمحاولات تصفية، كالقضية الفلسطينية، حيث حاولت أطراف إقليمية ودولية تمرير مشاريع عديدة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، والقضاء على المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج. وكان الفشل يلازم كل المحاولات التصفوية للمشروع الوطني الفلسطيني، حتى جاء اتفاق أوسلو عام 1993.
الأخطر في الموضوع كله أن اتفاق أوسلو الذي بموجبه تأسست السلطة الفلسطينية أفرزت شريحة عريضة من جماعات المصالح المرتبطين بالسلطة ونعيمها ورواتبها ورتبها، على حساب القضايا الوطنية، حتى وصل الأمر إلى أن كل بيت فلسطيني تقريباً مرتبط بتلك الجماعات، مباشرة أو غير مباشرة، وباتت تتكشف معالم المخططات الصهيوأميركية التي تستهدف الوعي الجمعي الفلسطيني، بربط أكبر نسبة ممكنة من المجتمع الفلسطيني بقطار جماعات المصالح التي تتشكل ضد المشروع الوطني، ومن أبرز معالم ومحددات تلك المخطط تعزيز الصراعات والانقسامات السياسية في الساحة الفلسطينية، القضاء على فرص التنمية المستدامة، زيادة شريحة المنتفعين من المال السياسي الغربي (الجهاز البيروقراطي، برامج الضمان الاجتماعي (شيكات الشؤون)، المساعدات الإنسانية، المشاريع الدولية، إلخ...).
هذا الواقع أفرزته السلطة الفلسطينية، وترى فيه إنجازاً قد يخفف على كاهل المواطن الفلسطيني، ولكن في حقيقة الأمر، اتضحت أهداف تلك الأموال في ثاني تجربة ديمقراطية فلسطينية عام 2006 ، عندما فازت حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية وحصلت على ما نسبته 60% من مقاعد المجلس التشريعي، ما دفع المجتمع الدولي، ممثلاً بالرباعية الدولية لفرض شروط مجحفة على حركة حماس وحكومتها، اصطلح على تسميتها بشروط الرباعية، وهي: نبذ العنف، الاعتراف بإسرائيل، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة.
لم توفق حماس على تلك الشروط، ففرض الحصار وجففت المنابع المالية، وبرز المال السياسي محدداً رئيساً في إدارة الشأن العام، وظهرت هشاشة السلطة الفلسطينية وضعفها، ودور الاحتلال في إنجاحها، أو إفشالها، حسب رؤيته ومصالحه السياسية والاقتصادية والأمنية.
خلاصة القول: في حال لم تلتفت النخب الفكرية والقيادات الفلسطينية والفصائل الوطنية خطورة وتحديات ارتباط المجتمع الفلسطيني، بشكل مباشر وغير مباشر، بالدعم الغربي، فهذا سينعكس سلباً على المشروع الوطني، وسيكون بمثابة انقلاب ناعم على الثوابت الفلسطينية، لأن المجتمع يرتبط بشكل كامل بالمال ومتطلباته، وهذا بات واضحاً لدى بعض موظفي السلطة الفلسطينية، بعد توقيع الرئيس محمود عباس على قرار الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، حيث استمعت لأصوات تطالب الرئيس بالعدول عن خطوته، نظراً لانعكاسها على ديمومة الرواتب واستمرارها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية