مع نشر هذا المقال تكون نتائج الانتخابات الإسرائيلية قد اتضحت، وعليها تبدأ عملية المفاوضات من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة. وحسب استطلاعات الرأي حتى الأمس، كانت النتائج المتوقعة التعادل النسبي بين الكتلتين المتنافستين اليمين من حزب "الليكود" وحتى "قوة يهودية" مروراً بالأحزاب الدينية لكن دون "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، والوسط يسار من حزب "أزرق - أبيض" وحتى القائمة العربية المشتركة. ولا تستطيع أي كتلة تشكيل حكومة دون أفيغدور ليبرمان. وإذا لم تحدث مفاجآت نحو الأسوأ وفيها يتمكن نتنياهو من تشكيل ائتلاف حكومي من اليمين فقط دون الاعتماد على ليبرمان، فلن تتغير صورة الوضع الذي ترسمه الاستطلاعات بشكل جوهري.


في ظل المشهد الأول الذي يظهر من الاستطلاعات ستكون سيناريوهات تشكيل الحكومة على الأغلب إما حكومة بزعامة بيني غانتس بدعم ليبرمان وكتلة عربية مانعة، ويمكن أن ينضم إليها الحزبان الدينيان أو أحدهما وتفقد الاعتماد على القائمة العربية. أو حكومة وحدة تتشكل من "أزرق - أبيض" و"الليكود" وربما أحزاب أخرى، بعيداً عن المتدينين والأحزاب الأكثر تشدداً كما يريد ليبرمان وبعض أطراف "أزرق - أبيض. أو حكومة واسعة من خليط من الأحزاب مع الحزبين الكبيرين. والسيناريو الأسوأ هو نجاح نتنياهو في تشكيل حكومة فقط مع اليمين دون أو مع ليبرمان.


في حال نجاح نتنياهو مع اليمين المتطرف في تركيب الحكومة يمكن أن يكون التعامل مع غزة أقل قسوة بسبب رغبة نتنياهو في الحفاظ لفترة ما على حكم " حماس "، حتى لو أنه قال قبيل الانتخابات، إن الضربة القاصمة لغزة ليست سوى مسألة وقت لا أكثر. وأن القرار متخذ في هذا الموضوع. ولكن من المتوقع أن يوجه ضربة قوية لحركة حماس بسبب الضغط الشعبي وبسبب تغيرات إقليمية ودولية مهمة تجاه "حماس" منها الموقف العربي وخاصة موقف السعودية التي قامت باعتقال عدد كبير من كوادر الحركة، على ما يبدو في إطار الرد على عودة علاقة "حماس" مع إيران والموقف الذي اتخذته الحركة وبعض قياداتها باعتبارهم في جبهة واحدة معها في حال تعرضها للاعتداء. وأيضاً موقف الإدارة الأميركية التي بدأت بمعاقبة بعض قيادات الحركة عن طريق وزارة الخزانة التي وضعت قائمة تضم قيادات من "حماس" مع "داعش" و"القاعدة" و"حزب الله"، وهذا مؤشر على خطوات لاحقة أكثر صرامة. وستذهب حكومة نتنياهو المتكررة إلى تغيير قواعد اللعبة مع غزة وهي لن تستطيع أن تكون في موقف مختلف مع الإدارة الأميركية في هذا الشأن.


أما في حال تشكيل حكومة برئاسة غانتس وبوجود ليبرمان وحتى لو كان "الليكود جزءاً منها فالأرجح أن تذهب لحرب على غزة لإسقاط حكم "حماس"، وهذا موقف معلن وواضح من "أزرق - أبيض" وسيكون دور ليبرمان مفصلياً في العمل على ذلك. ويصعب رؤية بقاء الوضع على ما هو عليه في العلاقة بين غزة وإسرائيل.


"حماس" لم تحصل على ما تريد من اتفاقات التهدئة، وأصبح واضحاً أن إسرائيل والأطراف الإقليمية والدولية ذات العلاقة لا تسعى لمنح الحركة ما تريد حتى في إطار تسويات مؤقتة. ويمكن استشفاف هذا في الموقف القطري الذي عبر عنه العمادي بوضوح في الأيام الأخيرة والذي يعني أن قطر لا يمكنها حل مشاكل غزة وهي ليست معنية بذلك، وأن الأمر لا يتعدى المسكنات. والجميع يعلم أن حل مشكلة غزة بشكل جذري يأتي في إطار الوطن الموحد، وبعد عودة السلطة إلى هناك. فـ"حماس" حتى لو أجرت أطراف عديدة معها حوارات من تحت الطاولة لا تزال كياناً غير شرعي وتتعقد العلاقة معها بسبب إيران وما تقول عن نفسها أنها جزء من محور "المقاومة". فالحل يكمن في رفع الحصار الكامل عن غزة و فتح المعابر والسماح بحرية الحركة للأفراد والبضائع وإنشاء مشاريع اقتصادية كبيرة لخلق فرص عمل لمئات آلاف الغزيين، وفتح سوق العمل في إسرائيل لعمال غزة وتطوير البنية التحتية وحل مشكلات الكهرباء والماء والتلوث..إلخ. وهذا لن يتم تحت حكم "حماس" مهما كانت العلاقة التي ترتبط بالمصالح المتبادلة مع إسرائيل.


ينبغي أن تصل قيادة "حماس" إلى قناعة سريعة باستحالة بقاء الأمور على ما هي عليه وأن الأسوأ قادم لا محالة، وأن الشيء الوحيد الذي يمكنه أن ينقذ غزة من دمار محقق و"حماس" من خسارة فادحة قد تقود إلى دفع ثمن أكبر بكثير مما تعتقد قياداتها هو الوحدة الوطنية. وهي لا تنقذ غزة وتمنع الكارثة فيها بل تنقذ المشروع الوطني وتعيد الثقة لدى أبناء شعبنا بالقيادات والأحزاب والقوى السياسية وبوجود أفق وجدوى لمقاومة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي. فالوحدة ستقنع إسرائيل أنها أمام واقع جديد لا يمكنها فيه أن تستمر في تجاهل حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني والانقضاض عليها وتقويضها. كما تعيد ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسة الفلسطينية خصوصاً إذا ما جرت انتخابات عامة تشريعية ورئاسية وأعيد تجديد المؤسسات والشرعيات، وترتيب وضع السلطات المختلفة وتوسيع نطاق الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد، وتم وضع برنامج وطني شامل للتصدي للتحديات التي تعصف بالشعب الفلسطيني. فهل تذهب "حماس" إلى إنقاذ نفسها وشعبها أم تنتظر المصير الذي ستقرره إسرائيل بخصوص مستقبلها؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد