ما زالت الاستطلاعات تتأرجح بين 58 و61 مقعداً قد يتمكن "الليكود" بزعامة نتنياهو من الحصول عليها، في حين لا يتوفر لدى قائمة "أزرق ـ أبيض" مثل هذا العدد حتى لو أن هذه القائمة قد حصدت عدداً من المقاعد أعلى من مقاعد "الليكود".
بالعودة إلى ثلاث انتخابات سابقة كان حزب "الليكود" يحصل على أصوات أعلى وبالتالي على مقاعد أكبر مما كانت تعطيه نتائج استطلاعات الرأي.
وكانت الساعات الأخيرة في كل هذه الانتخابات تحظى بالقول الفصل في هذه الزيادات لصالح حزب "الليكود"، ولصالح اليمين المتطرف في إسرائيل.
عمل نتنياهو على مدار الساعة للبقاء في مركز الصورة الإعلامية، واستطاع حتى الآن أن يشغل هذه الوسائل و"يجبر" المصوتين على البقاء في دائرة القصف الإعلامي من خلال ما يُمطر به المجتمع الإسرائيلي من الأخبار والمواقف التي من شأنها السيطرة على المشهد بالإثارات المتلاحقة.
وفي أغلب الظن أن لدى نتنياهو، أو لنقل في جعبته المزيد من المباغتات حتى الدقيقة الأخيرة من مسار هذه الانتخابات.
يدرك نتنياهو قبل وأكثر من غيره أن الصوت الفلسطيني في الداخل يمكن أن يكون حاسماً إن لم يكن في الوصول إلى وضع الكتلة المانعة، فمن المؤكد أن هذا الصوت هو الذي سيحدد عدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب "الليكود" على وجه التحديد، والقوائم اليمينية بشكل شامل.
لم يتمكن من استصدار قانون وضع الكاميرات لكنه قادر على إرسال مئات وربما آلاف "الزعران" لإرعاب المصوتين الفلسطينيين و"تخويفهم" للتأثير على درجة حماس هم للتوجه الجماعي الكبير للتصويت.
فإذا وجد "الليكود" أن هناك من الهمّة والحماسة لدى جماهير الداخل بما يهدد فعلياً حصوله على المقاعد التي يرغب بالحصول عليها للبقاء ممسكاً بزمام المركز السياسي الرئيسي، فإنه سيلجأ حتماً إلى "الإرعاب"، وإن لم يثنِ هذا الإرعاب الفلسطينيين في الداخل فإنه لن يتوانى عن (عدم) الاعتراف بالنتائج وسيتهم العرب وبعض الأحزاب الإسرائيلية بالتواطؤ معهم "لتزوير" الانتخابات.
ولم يكن اقتراح وضع الكاميرات كقانون سوى التمهيد الحقيقي لـ"معركة" التزوير، ناهيكم عن مخططات البلطجة والزعرنة المركونة جانباً إلى حين معرفة درجة الإقبال الفلسطيني على هذه الانتخابات.
وخلاصة الأمر هنا هو أن "الليكود" بزعامة نتنياهو لن يقبل أبداً ـ كما أرى ـ بهزيمة حقيقية، لأن مثل هذه الهزيمة ليست مجرد انفراط عقد وإنما هي في الواقع نهاية عهد.
اليمين الذي عمل على مدار سنوات وسنوات، بل وعلى مدار عقود كاملة لتغيير إسرائيل، والذي قلب هويتها السياسية والثقافية وحوّل المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع "يتلذّذ" بالعنصرية و"يتفنّن" في أساليبها، ويتفوق على كل أنواع العنصريات السابقة والغابرة، لن يقبل بأن يتحول مركز القرار السياسي إلى اتجاهات يسارية ووسطية أو مجرد وسط يميني ليبرالي، لأن هذا الانتقال بالذات هو بمثابة انفلات كبير وإفلاس تام.
وخطورة الأمر من وجهة نظر اليمين القومي والديني المتطرف بقيادة حزب "الليكود" هو أن المسألة لا تتعلق أبداً بخسارة انتخابات، وإنما بـ(إهدار) "فرصة" تاريخية من الصعب، إن لم نقل من المستحيل تكرارها، لا من حيث الوضع الداخلي الإسرائيلي، ولا من حيث ضعف وهشاشة الوضع الداخلي الفلسطيني.
أما الوضع الإقليمي والعربي بصورة خاصة ومحددة فحدث ولا حرج.
لم يسبق أبداً منذ مئات السنين أن كان الوضع العربي على مثل ما هو عليه اليوم من وهن وتبعثر واحتراب وتدمير.
وفي المجال الدولي وتحديداً مع وجود إدارة ترامب في سدّة حكم البيت الأبيض، وبالنظر إلى درجة تبنّي هذه الإدارة لكافة أهداف وطروحات ومزاعم اليمين الإسرائيلي فإن خسارة هذه الانتخابات، أو لنقل فقدان القدرة على الإمساك الحقيقي بزمام المبادرة في السياسة الإسرائيلية تعني بكل تأكيد الدخول إلى تخوم منطقة الانتحار السياسي.
و"الانقطاع" الذي ستحدثه خسارة "الليكود" بالمعاني التي أشير إليها ستؤدي حتماً إلى مزيد من الشرذمات، وإلى المزيد من "الفرز" بين أصناف اليمين المتطرف وتشكيلاته، وقد تؤدي إلى بلورة قطب يميني جديد يقطع مع اليمين المتطرف ويذهب بعيداً إلى دائرة يمين الوسط بل وحتى القبول بصيغة جديدة للتحالف مع "الوسط" ومع بعض تشكيلات ما يصنف بأنه "يسار" في إسرائيل.
ولن يتردد "الليكود" بزعامة نتنياهو من اللجوء إلى أي شيء إذا كان هذا الشيء سيؤدي إلى بقاء اليمين المتطرف ممسكاً بدفة السلطة في إسرائيل، أو مشاركاً قوياً في مركز القرار السياسي فيها على أقل تقدير.
هناك ما يكفي من المؤشرات على ما يمكن أن تصل إليه الأمور لدى اليمين القومي والديني المتطرف، وما يمكن أن يقدم عليه غلاة التطرف والعنصرية والاستيطان.
أما من زاوية نتنياهو تحديداً وليس من زاوية اليمين المتطرف في إسرائيل فقط فالمسألة أكثر تعقيداً من الأبعاد التي ستنطوي على خسارة الانتخابات، أو لنقل بصورة أكثر تحديداً ودقة، على عدم بقاء "الليكود" في مركز القرار السياسي في إسرائيل. الأمر هنا مختلف لأن خسارة "بسيطة" يمكن أن تؤدي إلى تشكيل حكومة "اتحاد وطني"، أو الى مراهنات على ائتلافات جديدة، قد لا تكون كافية لإفلات نتنياهو من المحاكمة، كما أن احتمالاً من هذا النوع قد يكون أصلاً مشروطاً بعدم إعطاء نتنياهو فرصة الحصانة. في مثل هذه الحالة فإن المفاجآت والمباغتات التي أتينا عليها، أو على بعضها ستتحول إلى وقائع منتظرة ومتوقعة ومرجحة.
أما ما يدعو إلى الأسى هو أن نجد بيننا ما يحث الفلسطينيين على عدم المشاركة في هذه الانتخابات "خوفاً" من "تضليل" الرأي العام العالمي حول حقيقة الدولة الإسرائيلية...!
أي استراتيجيات سياسية هذه التي تبنى على أساس "المخاوف" من "التضليل"؟
وهل سينتهي التضليل وتغيب المخاوف ويصبح كل شيء تمام التمام وعلى كل ما يرام عندما نقاطع الانتخابات؟
وهل هذا هو العامل الوحيد والفريد الذي يعرّي إسرائيل ويمنع تضليل العالم حول حقيقتها؟
وهل مجيء نتنياهو وأنصار "كاهانا" و"بينيت" واحتفال ترامب بالانتصار معهم، وتهويد الأغوار والضفة، وفصل قطاع غزة ، وتكريس دولة "أرض إسرائيل الكبرى" هو خيار سياسي بديل لمواجهة اليمين والعنصرية؟
وهل تحوّلت معركة التحرر الوطني الفلسطيني إلى مخاوف وتطمينات أم المسألة في حقيقتها هي مجرد تسجيل مواقف للذمة والضمير؟
أليس محزناً ومؤلماً أن نرى نتنياهو وهو يستميت كي لا يذهب الفلسطيني إلى صندوق الاقتراع، ويحضر أنصاره العدة والعديد للبلطجة ضدهم ثم يأتي منا من يعمل ويُحرّض ويحشد للوصول إلى نفس هذا الهدف؟!
هل يُعقل أن نعتبر نضالات رجالات فلسطين الشجعان طبطبات على عنصرية إسرائيل ونوعاً من التضليل للرأي العام العالمي حول حقيقتها؟! هذا غريب وعجيب ومفجع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد