الجيش الإسرائيليّ لا يثق بتفوقه وليس قادرًا على ترجمته إلى انتصار
القدس / سوا / يعتبر الإسرائيليون، قيادةً وشعبًا وأجهزة المخابرات على مختلف مشاربها، أنّ الجيش الإسرائيليّ هو الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، وأنّ باستطاعته الانتصار على الجيوش العربيّة، مجتمعةً، وهذا ما أكّده الجنرال في الاحتياط، بيني غانتس ، لدى تسليم سلفه الجنرال غادي أيزنكوط، مهّام منصبه الجديد، القائد العام الـ21 للجيش الإسرائيليّ، ولكن في الآونة الأخيرة، بدأت الأصوات من المستويين السياسيّ والأمنيّ في تل أبيب ترتفع وتُحذّر من قدرة الجيش الإسرائيليّ على التعامل مع التنظيمات الـ"إرهابيّة"، التي هي ليست دولاً، وفي مقدّمتها حزب الله اللبنانيّ، وحركة المقاومة الإسلاميّة ( حماس ) وتنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق وسوريّة، مُذكرين بما حصل للجيش في الحرب العدوانية الأخيرة ضدّ قطاع غزّة، في صيف العام 2014، والتي استمرّت 51 يومًا، دون أنْ يتمكّن الجيش "الأقوى في الشرق الأوسط" من حسمها، بل ذهب عددٌ من المُحللين إلى أبعد من ذلك، وتساءلوا: إذا لم يتمكّن الجيش الإسرائيليّ من كسر حماس الضعيفة خلال حوالي الشهرين، فكيف سيقدر على مواجهة حزب الله، الذي يتفوّق على حركة حماس، كمًا ونوعًا.
مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، المُقرّب جدًا من المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة كثيرًا، رأى في مقالٍ نشره اليوم الجمعة، أنّ الجيش الإسرائيليّ لم يعُد يثق بتفوقه، وتحديدًا في ترجمة هذا التفوق إلى انتصار حاسم في المعركة، على حدّ تعبيره. وساق قائلاً، نقلاً عن مصادر أمنيّة وصفها بأنّها رفيعة المستوى في تل أبيب، ساق قائلاً إنّ الواقع الجديد في الشمال، تُلزم إسرائيل أنْ تتصرّف بحذرٍ شديدٍ وبحنكةٍ أكثر، وعدم الانجرار وراء الردود الانفعاليّة، ذلك أنّ المُتغيّرات في المنطقة تحدث بشكلٍ متسارعٍ جدًا. ولفت هارئيل أيضًا إلى أنّه لا يوجد أيّ ضمان من أنّ المُخابرات الإسرائيليّة تقرأ الصورة الحقيقيّة بشكلٍ صحيحٍ، ولا تستطيع تحديد نوايا سوريّة وحزب الله بالشكل المطلوب، على حدّ وصفه. وأردف هارئيل قائلاً إنّه من المُسّلمات أنّ الرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد ليس معنيًا بخوض حربٍ جديدةٍ مع إسرائيل، كما أنّ هذا التقدير ينسحب على الأمين العام لحزب الله اللبنانيّ، الشيخ حسن نصر الله، ولكن، استدرك هارئيل قائلاً، إنّ التنظيمات المُسلحّة المُعارضة للنظام السوريّ، من شأنهم أنْ يقوموا بعمليات قد تؤدّي إلى اشتعال الجبهة الشماليّة مع إسرائيل، لافتًا إلى أنّ الحديث يدور عن تنظيمات إسلاميّة مُتشدّدّة جدًا.
ونقل هارئيل عن المصادر الإسرائيليّة عينها، قولها إنّ التغيير الجوهريّ، مع بدء السنة الخامسة للاهتزازات التي عمّت العالم العربيّ، يدور على الجبهة الشماليّة.
ولفت إلى أنّه في الحدود الإسرائيليّة مع لبنان وسوريّة هناك تصادم بين عوامل ثلاثة: النجاح، الذي لم يكُن يتوقّعه أحد للجيش العربيّ السوريّ وصمود الرئيس الأسد، والثاني، تطوّر مفهوم المواجهة متعددة الجبهات ضدّ إسرائيل، أمّا العامل الثالث، برأي المُحلل الإسرائيليّ، فهو ارتفاع وتيرة التدّخل الإيرانيّ في الأحداث الجارية على الجبهة السوريّة، والتي يُمكن متابعتها من قبل الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة على طول الحدود، على حدّ قوله.
وشدّدّ هارئيل على أنّ المُنتصر الرئيسيّ في هذه المرحلة هو الرئيس السوريّ الأسد، الذي تمكّن من الحفاظ على الحكم، خلافًا لكافة التوقّعات في الغرب والشرق على حدٍ سواء.
وتابع قائلاً إنّه في الفترة الأخيرة، وتحديدًا خلال الأشهر الماضية، لجمت الولايات المتحدّة الأمريكيّة الحديث السيئ ضدّ الرئيس الأسد، على الرغم من أنّ جيشه يلجأ لتكتيكات دمويّة جدًا في حربه ضدّ التنظيمات الإسلاميّة المُتشدّدّة.
وبالمُقابل، أضاف هارئيل، فإنّ هذا الأمر أدّى إلى ازدهار توسّع وقوّة تنظيم الدولة الإسلاميّة، وأيضًا جبهة النصرة، المُرتبطة بتنظيم القاعدة، ولكن بما أنّ أمريكا والحف الذي شكلّته يُركّزان الحرب ضدّ هذين التنظيمين، فإنّ الرابح الأكبر من هذه السياسة هو الرئيس السوريّ الأسد، على حدّ قول المصادر الأمنيّة الإسرائيليّة، أيْ أنّ مهمات الأسد تقوم بتنفيذها قوى أخرى، وفي مقدّمتها واشنطن.
هذا الوضع، أضاف المُحلل هارئيل، هو الذي دفع الرئيس الأسد لاتخاذ قراره بشنّ الهجوم الكاسح ضدّ القوى المعارضة في الجنوب السوريّ، حيث يُشارك في هذا الهجوم، بحسب المصادر في تل أبيب، آلاف الجنود السوريين، إلى جانب أكثر من ألفي عنصر من حزب الله، بالإضافة إلى عشرات الضبط من فيلق (القدس)، التابع للحرس الثوريّ الإيرانيّ، مُشدّدًا على أنّ الإستراتيجيّة الإيرانيّة الجديدة تقوم على استنزاف إسرائيل على عدّة جبهات.
وقال إنّه في الفترة الأخيرة رصد معهد (ميمري) الإسرائيليّ، الذي يتعقّب وسائل الإعلام العربيّة والإيرانيّة، رصد في الفترة الأخيرة، خمسة تصريحات على الأقّل من مسؤولين إيرانيين، والذين أكّدوا عزم الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة على تسليح الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة المُحتلّة من أجل القيام بتنفيذ عمليات فدائيّة ضدّ أهداف للاحتلال الإسرائيليّ، على حدّ قوله.
وأشار هارئيل أيضًا إلى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو على حقٍ، فالإدعاء الذي يسوقه نتنياهو بأنّ طهران تقوم بتليين مواقف الدول العظمى في المفاوضات حول الملّف النوويّ هو صحيح، وبالمُقابل، فإنّ إيران نفسها، تقوم بإرسال أذرعها إلى الحدود مع إسرائيل على الجبهة الشماليّة.
وخلُص هارئيل إلى التساؤل: هل خطاب نتنياهو بعد عشرة أيام في الكونغرس الأمريكيّ سيؤدّي إلى تفاقم المشكلة، عوضًا عن أنْ يقوم بتقديم موعد الحلّ، على حدّ قول المُحلل الإسرائيليّ.