بوقاحة لا تليق إلا بدولة عنصرية، لا تعترف بالقوانين والقيم الدولية والإنسانية، تعلن إسرائيل عن مخططاتها، لمساعدة سكان قطاع غزة ، الفلسطينيين، في الهجرة. إسرائيل تبحث عن اتفاق مع دولة أجنبية، لتسهيل واستقبال الفلسطينيين، وتعرب عن استعدادها ل فتح بعض مطاراتها لتحقيق الهدف ذاته.
الكلام موجّه لسكان قطاع غزة، من باب الحرص الإسرائيلي الإنساني، الكاذب لمساعدتهم على الخروج من جحيم الأزمات التي تجتاح منذ فترة الأوضاع في القطاع، لكن الكلام، يتجنّب المخطط الفعلي المعمول به، لتهجير الفلسطينيين من كافة الأراضي المحتلة، وفي مقدمتها القدس .
تختار إسرائيل عن قصد أن يكون قطاع غزة هو عنوان مخططها الأوسع، لأنها تظن أنها نجحت في التعامل مع القطاع باعتباره كياناً معادياً وفق قرارها في أيلول 2007، وتظن، أيضاً، أنها نجحت في التخلص من مسؤولياتها كدولة احتلال وفق ما يرتبه القانون الدولي.
لا شك أن سيطرة حركة حماس على القطاع، قد شكل ذريعة قوية لإسرائيل كي تكمل ما بدأه شارون حين أخرج قواته ومستوطناته من قطاع غزة، وأخذت تقنع العالم البعيد والقريب، أن حماس هي منظمة إرهابية، تستحق ويستحق معها سكان القطاع، أن يتم التعامل معها ومعه بكل أشكال ووسائل الإرهاب والقتل والتدمير.
أصل المخطط يكمن في أصل المخطط الصهيوني، الذي أقام مشروعه على مبدأ "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". أما إذا كان التاريخ قد أكد زيف تلك الادعاءات، خصوصاً وأن الشعب الفلسطيني يصل تعداده اليوم إلى عدد كل اليهود في إسرائيل وكل العالم، وأنه فرض حقيقة وجوده وحقوقه على الأرض، فإن أحفاد الصهيونية يتابعون المشروع وفق الفكرة الأولى، للتخلص التدريجي من وجود الشعب الفلسطيني على أرضه.
قانون القومية العنصري، في جوهره وشكله وأهدافه يفضح تلك المزاعم، والمخططات، فهو لم يقر، للتعامل مع سكان قطاع غزة، الذين أخرجتهم إسرائيل من دائرة التوازن والصراع الديمغرافي، وإنما تم إقراره للتعامل في النهاية مع الفلسطينيين المتمسكين بأرضهم في مناطق عام 1948. دولة يهودية نقية لا تحتمل اليهود الفلاشا لا يمكن أن تحتمل الفلسطينيين الذين يحملون هوية وانتماءً وطنياً لشعبهم وأرضهم. حين نضع الإعلان الإسرائيلي تحت مشرحة الفحص فيما لم تتوقف إسرائيل عن القيام به في القدس، من محاولات معلنة، لتهجير سكانها وأصحابها الفلسطينيين، فإن الإعلان الأخير، إنما يكشف ويفضح سياسة إسرائيلية متبعة منذ عقود. تتبجّح إسرائيل بأن الميزان الديمغرافي في القدس، قد أخذ يميل لصالح الوجود اليهودي، فإنها تعيد ذلك إلى تكثيف الاستيطان، ودفع مبالغ هائلة لتشجيع اليهود الشبّان للسكن في المدينة المقدسة.
غير أن الجزء الأهم الذي يشير إلى طبيعة المخطط الإحلالي الذي يقوم على إقصاء العرب، وإحلال اليهود المستوطنين مكانهم، هذا الجزء هو الذي يتصل بجملة من السياسات والممارسات، والإجراءات "القانونية"، أو المتسترة بالقانون، وغير القانونية لتحويل حياة المقدسيين إلى جحيم لا يُطاق، بما يجبرهم على الرحيل.
السياسة ذاتها في القدس التي لا يتوقف الفلسطينيون عن فضحها ومقاومتها بما يتيسر من إمكانيات متواضعة، في ظل خذلان عربي وإسلامي، يمتد ليشمل، أيضاً، الضفة الغربية عَبر سياسة الخنق والضغط والاعتقال والقتل ومصادرة الأرض والبيت، لإرغام الناس على المغادرة.
الأوضاع في قطاع غزة، تزداد صعوبة، وتشدد خناقها على الشباب والخرّيجين، والكفاءات، ما جعل البنك الدولي يتحدث في وقت سابق عن أن القطاع سيتحول إلى مكان غير صالح للحياة في عام 2020. هذه الأوضاع المتدهورة كل الوقت، رفعت حرارة التحذير من أن قطاع غزة، قابل للانفجار الكبير في أي وقت، ولأن التجربة العملية خلال سنوات الانقسام تشير إلى أن هذا الانفجار غير ممكن داخلياً، فإن إسرائيل تخشى وهي محقّة من أن يحصل الانفجار في اتجاهها.
لولا ذلك لكان بإمكان إسرائيل أن تتجاهل كل ما يتعلق بقطاع غزة، إن كان يكفي لتأمين حياة معقولة لسكانه الذين يتزايدون باطراد. تعرف إسرائيل أنها لا تستطيع أن تهرب من مسؤوليتها عن الناس في قطاع غزة، وهي بعد أن فقدت الأمل في تنفيذ مخطط غزة المتوسعة في سيناء، فإنها تأخذ على عاتقها، استغلال الضائقة المعيشية للناس، من خلال المساعدة على تهجيرهم.
إسرائيل تستبدل حق العودة، بحق الهجرة، ولا يتوقف الأمر على اللاجئين، فإنها مستعدة لأن تقدم المساعدة، وتخلق الحوافز، لهجرة أي فلسطيني بينما تدفع مليارات الدولارات لتنفيذ حق اليهود في الهجرة إلى فلسطين ومقاومة عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.
الإعلان الإسرائيلي، إعلان حقيقي، والكل يعرف أن إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة، قادرة على التوصل مع بعض الدول، إلى اتفاق لاستقبال المهجرين الفلسطينيين، ومنحهم الجنسية الجديدة، وتأمين حياة يعتقدون أنها ستكون أفضل من حياة الضنك التي يعاني منها الناس في القطاع. وإذا كانت إسرائيل تعمل بوقاحة لتحقيق مخطط من هذا المحتوى الخطير والعنصري، فإن إعلانها ينبغي أن يشكل عامل إحراج للقوى والسلطات الفلسطينية، التي لا تكفّ عن الدعوة لتعزيز صمود الفلسطيني على أرضه، ولكنها تعمل في الاتجاه المعاكس. والسؤال الذي لا يحتاج إلى جواب هو: ما هي مسؤولية السلطات الحاكمة في توفير المناخ والدوافع لإنجاح المخطط الإسرائيلي، أم ان بإمكانهم التهرب من هذه المسؤولية وإلقاءها على إسرائيل فقط؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية