يعتقد بنيامين نتنياهو ، أن بإمكانه أن يُحسّن وضعه الانتخابي، المهدد من قبل منافسه الجنرال بيني غانتس ، من خلال تحقيق إنجاز لافت، فيما يتعلق باستباحة المسجد الأقصى، وفرض "التقسيم المكاني" بما يسمح لليهود بالصلاة فيه في أي وقت.


لم يعد هذا الهدف خافياً على أحد، خصوصاً بعد أن فشلت الحفريات الإسرائيلية التي استمرت عقوداً، بحثاً عن "الهيكل الثالث" المزعوم، وبعد أن قدمت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لحكومة إسرائيل للعبث كيفما ومتى شاءت في القدس ، حين اعترفت بها عاصمة لإسرائيل وأخرجتها من دائرة الحقوق التي يرتبها المجتمع الدولي.


لا شيء في جيب الحاوي نتنياهو لكي يُحسّن فرصه الانتخابية، وكان ولا يزال يأمل في أن تستجيب الإدارة الأميركية لندائه بشأن الموافقة على ضمّ أراض في الضفة الغربية، خصوصاً وأن ثمة إشارات صدرت عن السفير فريدمان ومسؤولين آخرين بهذا الخصوص.


غير أن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر الهيّن في ضوء الاستعدادات الفلسطينية لمقاومة السياسات الإسرائيلية الرسمية، التي تشارك وتشجع على استمرار الاقتحامات للمسجد الأقصى، والتي أخذت طابعاً يومياً وعنيفاً في الفترة الأخيرة. ثمة إدراك فلسطيني لما ترمي إليه حكومة نتنياهو، إذ تحذر وزارة الخارجية الفلسطينية من إقدام اليمين الحاكم في إسرائيل، وفي ظل التنافس الانتخابي على ارتكاب المزيد من الانتهاكات والجرائم ضد المسجد الأقصى المبارك وفرض "التقسيم المكاني".


وعلى الجبهة الفلسطينية الأخرى من حالة الانقسام، تتحدث حركة حماس ، عن ان حالة الغضب والضغط التي يعيشها الفلسطينيون ستنفجر في وجه الاحتلال الإسرائيلي ما لم يرفع الحصار عن قطاع غزة ، ويوقف جرائمه وإرهابه المنظم واقتحامه المتكرر للمسجد الأقصى.


تصريح حركة حماس، يشير إلى نقطتين ساخنتين في الاشتباك مع الاحتلال الأولى ما يتعلق بجبهة الصراع على الحدود مع غزة، وقضية رفع الحصار والثانية القدس، بما يعني أن ثمة ما يبرر للفلسطينيين أن يبادروا من غزة، في مواجهة ما تبادر به إسرائيل في القدس وباستهداف المسجد الأقصى. الفصائل الفلسطينية لم تعد تطيق مماطلة نتنياهو في التعامل مع تفاهمات التهدئة، ولم تعد على قناعة بجدوى ما تقوم به مسيرات العودة، في الضغط لإرغام نتنياهو على الرضوخ. لقد أبدت حكومة نتنياهو، قدرة على التكيف مع نشاطات مسيرات العودة، وامتصاص مفاعيلها حتى لو كان استمرار تلك النشاطات سيزعج العدد القليل من المستوطنين في غلاف غزة.


المحصّلة، كانت أن نتنياهو يحصل على هدوء نسبي وقليل من الإزعاج، مقابل التمسك بحصاره على القطاع، طالما لم تتحقق بعد الأهداف التي يسعى لتحقيقها من وراء فرض ذلك الحصار وإبقاء الانقسام الفلسطيني. لقد تأخرت الفصائل في غزة، عن إدراك هذه الحقيقة والمبادرة إلى تغيير هذه المعادلة، التي بدت مستقرة لفترة ليست قليلة، فلا هي قادرة على التراجع عن مسيرات العودة بعد كل هذا الوقت ولا هي قادرة على قلب الطاولة وتحقيق هدف كسر الحصار.


في الوقت ذاته، لم يعد بإمكان الفصائل المراهنة على تغيير أفضل في السياسة الإسرائيلية بعد الانتخابات، فإذا فاز نتنياهو فإن المعادلة ستبقى على حالها، وإذا فاز "أبيض ـ أزرق" فإنه لا يحمل جديداً في هذا المقام، سوى أنه قد يغلب الحلول الأمنية.


إن هذا هو ما يفسر، تزايد ما يمكن اعتباره، عمليات ومبادرات ذات طابع فردي، بمعنى، بدون قرارات سياسية أو قيادية. لقد بدأت هذه الظاهرة مؤخراً، من خلال الاشتباك الذي قام به المقاتل القسّامي أبو صلاح، الذي استشهد على إثرها، وفي حينه لم تتبنّ "حماس" العملية، واكتفت بنعي الشهيد، و"إدانة الإجرام الصهيوني، غير المبرّر".


أيام قليلة بعد استشهاد أبو صلاح، قامت مجموعة من أربعة مقاتلين تقول إسرائيل إنهم كانوا مدجّجين بالأسلحة بالاقتراب من الحدود ثم تعرّضوا لإطلاق نار كثيف من الجنود الإسرائيليين ما أدّى إلى استشهادهم. لحق ذلك شهيد خامس من شمال بيت حانون، تعرض لنيران الجيش الإسرائيلي. وفي يوم السبت الماضي، قامت القوات الإسرائيلية، ب فتح نيران الدبابات، على مجموعة من المقاومين أدّت إلى استشهاد ثلاثة وإصابة رابع، ادّعت إسرائيل أن ثمة محاولات لاختطاف جنود، لكن الفصائل مرة أخرى أسندت الأمر إلى مبادرات فردية. لم يتبنّ أي فصيل، أيّا من الشهداء، من خلال الاعتراف بالعمل الذي قاموا به، ولكنها كلها نعت الشهداء، وتوعّدت إسرائيل بالرد.


وخلال الاشتباك الأخير، تم إطلاق ثلاثة صواريخ اعترضت "القبة الحديدية" اثنين منها لكن أحداً لم يعلن المسؤولية عن عملية إطلاقها.


والسؤال هو: هل يمكن أن تكون كل هذه المبادرات الاشتباكية مجرد أعمال فردية، أم أن "حماس" تريد أن تفتح القوس عَبر رسالة مفادها أنها لن تعود مستعدة لضبط الأوضاع في حال استمرت إسرائيل في سياساتها؟


من المبكّر الخوض في مدى صدقية ادعاء الفردية عن تلك المبادرات فقد تكون هناك أسباب أخرى تفسر ذلك، ولكن في كل الأحوال، فإن انغلاق الآفاق أمام توقف استهداف الأقصى، وكسر الحصار، سيؤدي بدون شك إلى رفع حرارة التوتر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد