وكالة سوا الإخبارية

لا شك أن قرار القيادة الفلسطينية وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل هو موقف يستجيب لرغبة فلسطينية واسعة تصل إلى مستوى الإجماع الوطني العام. خصوصاً بعد هدم المنازل الفلسطينية في وادي الحمص في صور باهر التي تقع في مناطق مصنفة (أ) و(ب)، وبعد عمليات الاجتياح المتكررة للمناطق الفلسطينية الخاضعة لسيطرة السلطة الوطنية الأمنية بما في ذلك تنفيذ اعتقالات وقتل وأعمال تفتيش واستفزاز وتخريب، والاعتداء على أموالنا من المقاصة التي تجبيها السلطات الإسرائيلية لصالح السلطة. وهذا القرار كذلك يحمل في طياته تكراراً لقرارات سابقة كقرار المجلسين الوطني والمركزي بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. 

 في الواقع هناك إدراك ورغبة فلسطينية بعدم إبقاء الوضع الراهن الذي تخرق فيه إسرائيل كل الاتفاقات والالتزامات من جانب واحد على حاله واستمرار الاحتلال بهذه السياسة دون رد أو إجراءات رادعة. ولكن هناك أيضاً فرقاً بين الإرادة والرغبة الوطنية في فعل شيء يمكن أن يؤذي الإسرائيليين، ويشكل ردعاً حقيقياً لسياستهم المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني والتي تتنكر ليس فقط لهذه الحقوق بل لأبسط الاتفاقات والمرجعيات التي كانت بين الطرفين بوجود شهود إقليميين ودوليين، وبين القدرة الفعلية على القيام بذلك دون قلب

الطاولة والذهاب نحو حالة جديدة غير واضحة المعالم بعد. ومع أن الموقف  الفلسطيني بتشكيل لجنة لوضع القرار موضع التنفيذ  قد يفسر على أنه يمثل منح فرصة أخرى لإعادة التفكير بما يمكن الإقدام عليه من خطوات عملية وحتى لتدخل دولي لتدراك انهيار الوضع تماماً والذهاب نحو المجهول، إلا أن القيادة الفلسطينية في الحقيقة في وضع لا تحسد عليه في الخيارات المتاحة لها وما يمكن أن تقوم به وتكون نتائجه أكثر سلبية على الاحتلال مما هي علينا.

 ومن المفروض بدلاً من انتظار تنفيذ القيادة لقرارها ووضعها أمام اختبار أو حتى التشكيك في اتخاذها قرارات عملية أن نفكر جميعاً في كيفية دعم القرار الوطني وتقويته ليس بالتعاطي معه كشعار جميل للتغني به أو لحث الرئيس أبو مازن والقيادة للقيام بعمل لوحدها بدون دعم فعلي وقوي لها، بما يعزز موقفها وقدرتها على اتخاذ ما هو مطلوب من خطوات وإجراءات عملية. وهناك أمور كثيرة يمكن فعلها في هذا السياق، وأهمها على الإطلاق إنهاء الانقسام وتوحيد شقي الوطن وتوحيد القيادة السياسية واستراتيجيات وأدوات الفعل النضالي في مواجهة المشروع الاستيطاني العنصري، فمواجهة جرائم الاحتلال يجب ألا تقتصر على موقف القيادة على الرغم من أهمية هذا الموقف. ويجب ألا تنطبق الآية "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون" على الوضع الراهن، فأي موقف قيادي بحاجة إلى حاضنة وطنية قيادية وشعبية تشمل الجميع دون استثناء.

 والغريب أن الجميع في حالة انتظار لما يمكن أن تسفر عنه قرارات اللجنة التي أعلن عن تشكيلها لوضع الآليات العملية لتطبيق قرار الرئيس والقيادة. وللحقيقة سيكون من الصعب على القيادة اتخاذ قرارات مصيرية حتى لو كانت مقتنعة بها تماماً بمعزل عن الدعم الشعبي والفصائلي الواضح، والذي لا يمكن أن يحدث بمجرد إصدار البيانات المرحبة أو المرحبة بشروط بما صدر عن اجتماع القيادة في رام الله . وبدون وحدة وطنية شاملة تظهر الآن بقوة أمام العدو والصديق لا توجد قدرة حقيقية لتنفيذ قرارات استراتيجية قد تؤدي بالضرورة قلب الطاولة وتغيير قواعد اللعبة السياسية والفعل النضالي على مستوى الوطن وربما على المستويين الإقليمي والدولي.

 واضح أن إسرائيل لم ترغب في التعليق رسمياً على قرار القيادة الفلسطينية وقف العمل بالاتفاقات الموقعة معها، وهذا ربما بانتظار رؤية المغازي العملية لهذه القرار، وبعض المعلقين والمحللين الإسرائيليين حتى شككوا بقدرة السلطة على تطبيق القرار والجميع بانتظار ما سيحدث بهذا الخصوص. حنى الولايات المتحدة لم تعلق جدياً باستثناء ما صدر عن مصدر أميركي يقول أن الإدارة تواصل العمل من أجل سلام شامل ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين. ويبدو أنهم أيضاً بانتظار الموقف العملي ورد الفعل الإسرائيلي.

 كما ان المواطن بحاجة لقيادة تقرر في الشأن العام نيابة عنه وتتحمل مسؤولية قراراتها، القيادة أيضاً بحاجة إلى الدعم الشعبي الذي يعزز تفويضها ويمنحها القوة للمضي قدماً في تنفيذ قراراتها بدلاً من أن تتحول إلى مجرد تعبير عن الضغوط والكبت باعتبارها "فشة خلق" كما يقولون لدينا بالعامية. وفي هذا السياق وبجانب العمل فوراً على إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية على أرضية قرار القيادة، هناك حاجة لتحركات شعبية واسعة مساندة وداعمة لموقف القيادة. وهي يمكن أن تكون جزءاً من خطة التصدي لعمليات مصادرة الأراضي والاستيطان وهدم البيوت وتهويد القدس .

 أخيراً، لابد من تفعيل عامل التضامن العربي وتوفير قوة دعم عربية تبدأ بتطبيق قرارات القمم العربية الخاصة بتوفير شبكة الأمان للسلطة الفلسطينية، ودعم الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية ووقف كل أشكال العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك الهرولة نحو التطبيع معه. كما أن الدعم والتضامن الدوليين مهمان في هذا السياق. ولكن كل شيء يعتمد على الوحدة الفلسطينية التي بدونها لن نستطيع تحقيق شيء، بل نواصل الحلم وترديد الشعارات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية