أعترف أولا بأنني لست خبيرا في مجال العلوم، ولكنني ما أزال أحفظ منذ الصغر نَصَّ قانون، اسحق نيوتن العالم الفيزيائي البريطاني، المتوفى العام 1727م، مبتدع النظريات العلمية، والتجارب المخبرية، والجاذبية، والحركة، وله عدة إسهامات في علم البصريات أيضا. ما يزال صدى صوت أستاذ العلوم في المرحلة الإعدادية يتردد في أذني:  
"لكل فعلٍ ردُ فعلٍ، مساوٍ له في القوة، مضادٌ له في الاتجاه".


اكتشفتُ بعد فترة طويلة؛ أن نيوتن لم يكن مبتدعا هذا السبق العلمي، فقد اهتدى عالم مسلم فارسي، عربي الجنسية واللغة إلى النتيجة السابقة، قبل اسحق نيوتن بسبعة قرون كاملة، وهو الطبيب الفيلسوف، ابن سينا، المتوفى العام 1037م صاحب كتاب القانون في الطب، والشفاء في الفلسفة والعلوم، فقد قال في كتاب الشفاء: "تبقى الأجسام على حالها ما لم تتعرض لمؤثِّرٍ غريب يُحدد حركتها، ولا يتحكم في اتجاهها".


للأسف، احتفل الغربيون بابن سينا، ودرّسوا كتابه، القانون، وسموه (إنجيل الطب) بينما حجبه العربُ عن موائد الدراسة، وأخرجوا ابن سينا عن تقاليدهم القبلية، وحرموا أحفاده من تراثه بحُجة خطورة أفكاره، ونعتوه؛ القُرمطي، أي، (المتمرد على السائد، من أتباع حمدان القرمطي، الذي نادى بالمساواة بين البشر)، والزنديق، وغيرها من الألقاب!
لم أقصد من وراء هذه المقدمة، أن أُقارن بين العالِمينِ، بل قصدت أن أُخرج هذه النظرية العلمية من مجالها العلمي، إلى مجالٍ سياسي جديد، أي أنني سأستخدم هذه النظرية العلمية في سياستنا الفلسطينية والعربية:


عندما عقد الأميركيون ندوة البحرين، في شهر حزيران 2019م، لمناقشة صفقة القرن التجارية، فإن عَرَّابها ومحركها، جاريد كوشنير حرَّكنا معه، بفعل حركة الندوة، فصوَّبنا سيوفنا وبنادقنا، بفعل (الحركة) إلى (مكان عقد الندوة) أي، دولة البحرين، وشرعنا في اتهامها، ثم بعد وقتٍ وجيز، فترتْ (الحركة) أو الحملة على الدولة بأسرها، فقصرنا  حملتنا على وزير خارجيتها، جعلناه غَرضا نوجه إليه سهامنا، فسرنا عكس الاتجاه تماما، ونسينا هدف الندوة وغاياتها، وأنستنا هجمتنا على دولة البحرين، جاريد كوشنير وصفقته، وبلده، وما إنْ زالت (حركة) الندوة، وسكنتْ، حتى عُدنا نحن إلى حالة السكون، في انتظار حركة جديدة من مُحرِّك جديد، لقضيةٍ جديدة، أيضا من خارجنا!


ومن الأمثلة الأخرى، نقل الأميركيون سفارتهم إلى القدس ، وأعلنوا أنها عاصمة إسرائيل، انتفضنا، وشرعنا في فتح ملفات الثأر القبلي الحزبي التقليدي، أي أننا سرنا عكس الاتجاه تماما.


كذلك الحال عندما دمَّرتْ جرافاتُ الاحتلال بيوت أهلنا، في شهر تموز 2019م انتفضنا أيضا، ولكن، انتفاضة ردة الفعل، ولكننا سرنا في طريقٍ آخر، أي، عكس الاتجاه.
أما العربُ، فحين اشتدتْ الأزمات في دولة عربية بفعل الفقر، والقهر، انتفض الشعبُ العربيُ بقوة الحركة، فبدلا من أن يُحاول الشعبُ حلَّ الأزمة، فإنه سار عكس الاتجاه؛ شرع في تدمير وحرق الممتلكات العامة والخاصة، لم يكتفِ العربُ بذلك، بل شكلوا ميليشيات مسلحة تُقاتل بعضها بعضا، وتُشرد شعوبها من أوطانهم، فأصبحوا مهاجرين يستجدون العالم، لأنهم ساروا بالضبط عكس الاتجاه!.


رأيتُ متظاهرين عربا، يخلعون بلاط الشوارع، ويكسرون زجاج المحلات، وينهبون الممتلكات، ويمنعون الحركة، ويُضاعفون الأزمة، بحيث تحوَّلتْ الاحتجاجات إلى كارثة وطنية، يحتاج أي بلد إلى عقود ليرجع إلى حالة ما قبل (الحركة)!


بما أننا، نحن العرب، مبتدعو قانون حركة الأجسام بوراثتنا لجينة، ابن سينا، لذا فإننا بارعون في ردَّ الفعل العكسي، وما إن يزول الفعلُ حتى نعود إلى حالتنا السابقة، إن تمكنا من ذلك، وفي الغالب لا ننجح حتى في العودة إلى ما سلف!.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد