ورقة مبادرة لإنهاء الإنقسام
إن الكاتب والمحلل السياسي لا تقتصر مهنته على التوصيف والتفسير والتحليل والتوقع لأي ظاهرة سياسية أو حدث ما , ولا تقتصر أيضاً على تأييد شخص أو حزب ومعارضة الآخر , إنما تقع على عاتقه وبصفته المهنية أن يقدم الحلول بما يراه مناسباً ومهنياً , وبناء على ذلك أتقدم بهذه المبادرة بصفتي المهنية , ومن خلال مقال وعبر وسائل الإعلام , وأتمنى أن تصل هذه المبادرة الى أطراف الإنقسام , والى كل من يعنيه الأمر من خلال تغطيتكم الإخبارية ومنبركم الإعلامي المحترم..
إن ظروف التقارب بين فتح و حماس وباقي الفصائل في هذه الفترة جيدة , وتشجع أن نبني عليها مبادرة , فقرار الرئيس بوقف العمل بالإتفاقيات الموقعة مع إسرائيل, وقبل ذلك الموقف الموحد بين الجميع ضد صفقة القرن وورشة البحرين , وأيضاً تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عندما قال "مستعدون لقبول دولة فلسطينية على حدود 67" , بالإضافة الى إعتراف الجميع ومن ضمنهم حماس بمنظمة التحرير كممثل شرعي للشعب الفلسطيني , وحصر المشكلة في كلمة "الوحيد" وهذا من حق كل فصيل خارج منظمة التحرير أن تكون له كلمة في تقرير المصير بجانب كلمة منظمة التحرير.. فكل هذه المحطات المهمة هي إشارة الى أنه لا مشكلة جوهرية عميقة بين فتح وحماس , إنما المشكلة الحقيقية هي في إدارة مؤسسات الوطن , وبالطبع إدارة مؤسسات الوطن تقع على عاتق الرئاسة والحكومة المنبثقة عن المجلس التشريعي بموجب الإنتخابات .
أولاً وقبل الدخول في بنود المبادرة يجب أن نفرق بين المؤسسات وصلاحياتها , فهناك فرق بين مهام منظمة التحرير والأحزاب السياسية , وبين مهام الرئاسة والمجلس التشريعي والحكومة المنبثقة عنه , فمنظمة التحرير والأحزاب تنحصر مسئولياتها في إدارة الصراع مع الإحتلال , أما مؤسسة الرئاسة والتشريعي وحكومته والمفوضة من الشعب بموجب الإنتخابات , فتقع على مسئولياتها إدارة الدولة ومؤسساتها بكل تفاصيلها , وتشريع القوانين وتطبيقها وتنظيم حياة الناس , وتوفير الحد الأدنى لهم من الحياة الكريمة , بالإضافة الى توفير الضمان الصحي والإجتماعي..
ومن هنا فيجب أن نبدأ بمعالجة المشكلة وإنهاء الإنقسام من العمل المؤسساتي , وليس من العمل السياسي والحزبي , وتحديداً من القاعدة وليس من رأس الهرم , لأن القاعدة وهم "الكادر الوظيفي" هم الإدارة الحقيقية للدولة بكل تفاصيلها , والكادر الوظيفي يبدأ من وكيل الوزارة والمدير العام وصولاً الى حارس البوابة والفراش , أما رأس الهرم وهم رئيس الوزراء والوزراء , فمن وجهة نظري أنه من السهل التحكم بهم أو تغييرهم في أي صيغة إتفاق , بالإضافة الى أن عمر الوزير أو رئيس الوزراء المهني , لا يتعدى الأربعة سنوات نسبة لعمر المجلس التشريعي المنتخب , بحسب القانون الفلسطيني , وبناء على ذلك فإن رأس الهرم يتغير كل أربع سنوات , والكادر الوظيفي يبقى كما هو مديراً لمؤسسات الدولة بكل تفاصيلها , وطالما أننا سمعنا طوال سنوات الإنقسام أن التفاصيل هي التي كانت تفشل المصالحة , فإننا فعلاً نضع يدنا على المشكلة الحقيقية , إذا فيجب أن نعالج الأمور من التفاصيل والقاعدة والتي تتمثل في الكادر الوظيفي , حتى نصل الى الهدف المراد وهو الإنتخابات العامة..
هذه المبادرة تحتكم الى نظرية مهمة في علم الهندسة وهي "إن أقصر طريق بين النقطة والنقطة... هو الخط المستقيم" , بمعنى أن الإنتقال من نقطة الإنقسام الى نقطة الإنتخابات العامة يجب أن تكون فترة تحضيرية للإنتخبات فقط , ومن خلال ترتيب وصياغة وتوحيد كل مؤسسات الدولة على أسس مهنية , كي تكون مهيئة للتعامل مع أي رئيس منتخب , وحكومة منبثقة عن مجلس تشريعي منتخب .
بنود المبادرة .
تحديد مدة تحضيرية وإنتقالية للإنتخابات العامة لا تزيد عن ستة أشهر .
تشكيل لجنة عامة مهمتها ترتيب وصياغة وتوحيد كل مؤسسات الدولة , ودمج موظفين غزة و رام الله على أسس مهنية , لتكون مهيئة للعاطي مع أي رئيس منتخب , وحكومة منبقفة عن مجلس تشريعي منتخب , أو حكومة وحدة وطنية يتم تشكيلها بموجب إتفاق بين الفصائل بعد الإنتخابات .
تتكون اللجنة العامة من المخابرات المصرية وحركة حماس وحركة فتح والحكومة الحالية "إشتيه" , وشخصيات مهنية وقانونية وإدارية متخصصة ومستقلة , وعلى أن تكون اللجنة برئاسة المخابرات المصرية كونها محايدة .
إصدار مرسوم رئاسي بالتزامن من عمل اللجنة , لتحديد موعد الإنتخابات العامة فور إنتهاء عمل اللجنة خلال الستة أشهر , ليكون يوم الإنتخابات بعد ستة أشهر .
إصدار قرار من جميع الفصائل بضبط سلاح المقاومة , وعدم إنتشارة في الشوارع كمظاهر مسلحة , لإتاحة الفرصة لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية وقوات الأمن الوطني للتعاطي مع عمل اللجنة على أرض الواقع , وعدم تداخل الصلاحيات .
تعمل اللجنة على ترتيب ودمج وتسوية أوضاع كل الموظفين المدنيين والعسكريين "غزة ورام الله" وتأهيلهم مهنياً للعمل تحت سلطة الرئيس القادم المنتخب والحكومة المنبثقة عن المجلس التشريعي المنتخب .
تعمل اللجنة على توحيد منظومة القضاء بين غزة ورام الله على أسس مهنية ومستقلة عن العمل السياسي والحزبي .
تبقى إدارة المعابر كما هي لحين إرسال طاقم من موظفين رام الله يتم فرزهم من اللجنة , لتكون هناك شراكة في إدارة المعابر , وذلك لتسهيل السفر والبضائع والتنسيق مع الجانبين المصري والإسرائيلي .
يتم تجميد ملف الأراضي في فترة الستة شهور , بحيث تتولى هذا الملف الحكومة المنبثقة عن المجلس التشريعي المنتخب والوزارات المتخصصة بهذا الملف .
تعمل الجنة على تخيير بعض الموظفين بين الوظيفة وبين الجناح العسكري للحزب المنتمي له , بحيث لا يتم الجمع بين الإثنين , وذلك لتعزيز مفهوم العمل المؤسساتي والحيادي بعيداً عن الحزبية .
يتم إستبعاد موضوع الرواتب من عمل اللجنة , بحيث تكون رواتب موظفين غزة كما هي ومن مصادرها والتي تعتبر الجباية الداخلية أحد مصادرها , وأن تبقى رواتب موظفين رام الله كما هي من حكومة إشتية , وذلك خشية تعقيد الأمور , وعلى أن تتولى الحكومة الجديدة والمنبثقة عن المجلس التشريعي المنتخب مهمة تأمين رواتب كل الموظفين بلا إستثناء وبلا تمييز , وفي حال تم الإتفاق على أن تتولى حكومة إشتية تأمين جميع الرواتب خلال فترة الستة اشهر قبل الإنتخابات , فيجب أن تكون الجباية تحت إمرة حكومة إشتية .
تستمر حكومة إشتيه بالقيام بواجباتها في غزة والضفة , والتعاطي مع إفرازات اللجنة العامة بما يخص دمج الموظفين , وأن تتكفل بالموازنة التشغيلية للوزارات , وموازنة الضمان الصحي والإجتماعي للمواطنين , وأن تستمر بدورها كحكومة لحين قدوم حكومة جديدة ومنبثقة عن مجلس تشريعي منتخب , للقيام بكل واجباتها .
يلتزم الموظفين ككل "غزة ورام الله عسكريين ومدنيين" بقرارات وإفرازات اللجنة , وأن يكونوا تحت إمرة الحكومة الحالية "إشتيه" خلال الستة شهور لحين تولي الحكومة الجديدة مهامها .
تستلم حكومة إشتيه هيئة المعابر والوزارات كما هي عليه الآن , وتتعامل مع إفرازات وقرارات اللجنة العامة دون التدخل والإعتراض , فمثلا لو قررت اللجنة وضع "أ" مديراً لمركز شرطة , ووضع "ب" رئيس قسم في وزارة الصحة , فعلى الحكومة الحالية التنفيذ وبدون إعتراض والتعامل مع قرار اللجنة .
ما بعد الإنتخابات..
إن البنود الأربعة عشر قد تحتاج بعض التعديلات , ولكنها كفيلة أن تجعل مؤسسات الدولة قائمة بشكل مهني وغير حزبي , ومهيئة لتكون تحت إمرة أي حكومة قادمة بعد الإنتخابات , أو رئيس دولة قادم وحتى لو كان رئيساً مستقلاً أفرزته الإنتخابات , أما بالنسبة لملف منظمة التحرير والذي أجلت الحديث عنه لما بعد الإنتخابات , فهو من وجهة نظري ملف بسيط طالما هناك تقارب في المواقف السياسية , وطالما أنه يتم إنجازة بناء على توافق بين كل الفصائل..
خيارات منظمة التحرير..
هناك خيارين كلاهما جيد .
بعد ترتيب البيت الفلسطيني كحكومة ومؤسسات دولة , يتم فتح ملف منظمة التحرير على أساس دخول كل الفصائل بلا إستثناء وأيضاً قطاع خاص ومستقلين تحت سقفها , بحيث يتم صياغتها من خلال إنتخابات مجلس وطني ولجنة تنفيذية , وتفعيل لجنتها التنفيذية ودوائرها على أساس شراكة وتوافق وديمقراطية .
في حال عدم التوافق على دخول جميع الفصائل لمنظمة التحرير , فمن الممكن أن يتم تشكيل غرفة سياسية مشتركة , كما تم تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة , وهذه الغرفة السياسية تجمع بين فصائل منظمة التحرير , وبين الفصائل الخارجة عن المنظمة للتشاور والتفاوض في شئون السلم والحرب مع إسرائيل , وأن تكون الغرفة السياسية المشتركة هي صاحبة القرار بما يخص إدارة الصراع من الإحتلال..
كاتب المبادرة الكاتب والمحلل السياسي / أشرف صالح