تقرير: شاشات تسجل ميلاد جديد لأربع مخرجات من غزة
15 دقيقة تفصلنا ما بين حكاية وأخرى ينغمس فيها المُشاهد بعمق انتمائه لحضارته وموروثه، بصورة تجمع ما بين الموسيقى، الرقص، القصص، الأساطير والفانتازيا عبر "خيوط من حرير" تنسج حكايات شعبية لتعزيز الانتماء إلى الهوية وعمق القضية من خلال "الكوفية" الفلسطينية، في محاولة لتجميع ما تبقى من صورة الوطن الجميلة لنصل من خلالها " يوما ما" إلى الأحلام التي باتت بمثابة "الغول" الذي يهدد حياة آلاف من الشباب ويطاردهم في أحلام اليقظة.
في قاعة رشاد الشوا، وسط إنارة خافتة ولدت أربعة أفلام لمخرجات من غزة ، انطلقت عبر شاشات مسجلة لتخرج من قوقعة الحصار والقيود والموروث الاجتماعي، معلنة التحليق في سماء الإبداع الفلسطيني.
يوما ما
في قصة تحدي مع الذات اجتمعت 4 فتيات من غزة، لإبراز الوجه الجميل فيها بعيداً عن الحصار وحالة البؤس التي باتت تلاحق كل مواطن.
ويحمل فيلم "يوما ما" مجموعة تفاصيل لحكايات فتيات يحاولن رسم مستقبل مشرق لهن، إلا أن كل مرة يحاولن النهوض فيها يقعن بالفخ مرة أخرى!
"منى..ريما.. حنين.. ميسولين" أربع فتيات من غزة تطمح إحداهن للسفر إلى ألمانيا، بينما تحمل ريما الهوية الإسرائيلية وعلى إثرها تستطيع السفر خارج القطاع، إلا أن ارتباطها بغزة أقوى من السفر، فيما حنين تجسد دور المذيعة في إحدى المحطات الإذاعية، وآخرهن ميسولين والتي تطمح للحصول على أدوار البطولة من خلال عملها المسرحي.
العمل، الزواج، الحرية والسفر مجموعة أحلام لفتيات من غزة يطمحن بها في ظل حياة بسيطة، وهذا ما أرادت المخرجة أسماء المصري إيصاله للمشاهد بأنه يحق للمرأة في غزة أن تأخذ حريتها في الحصول على كافة متطلباتها المشروعة، بعيداً عن التعقيدات الاجتماعية التي تساهم في كبح جماح الفتيات في غزة.
كما وأرادت المصري إيصال الجانب الإيجابي والذي يضح بالحيوية في قطاع غزة بعيداً عن صور الدمار والشهداء والحصار الذي بات يهدد كل بيت في القطاع.
خيوط من حرير
ذكرى الثوب الفلسطيني جمعت نساء مخضرمات عاصرن النكبة ، مفعمات بالحكايات الشعبية جلسن يتبادلن أطراف الحديث في أرجاء الطبيعة عبر "خيوط من حرير".
"عرق الدوالي" "غرزة الحماة والكنة" و "الطاووس" و"الساعة"، هذه أسماء الغرز التي ورثتها بطلة الفيلم "أم فرج" عن والدتها وجدتها، وتعتبرها بمثابة وطنها الذي هجرت منه في نكبة "48”, لترسم لنا صورة حية ومباشرة لما نسجته أناملها عبر القماش بخيوط من حرير.
عشقها للتراث والتطريز جعلها تنتقي خيوط الحرير من جميع المدن الفلسطينية ما قبل النكبة، في محاولة منها للتمسك بموروثها الثقافي وأصالة حكاياته، وهذا ما دفعها للاستمرارية في تطريز الأثواب برفقة ابنتها وصديقاتها في المهنة.
خمس عشرة دقيقة اجتهدت فيها المخرجة ولاء سعادة لتوثيق التراث الفلسطيني والحكايات الشعبية من خلال الثوب الفلسطيني الذي جسد قصة خيوط من حرير وسط محاولات لطمسه وسرقته وتهويد محتواه التاريخي.
وباتت حكاياته ذكرى جميلة في قلوب النساء اللاتي حملن معهن الثوب الفلسطيني من يوم النكبة كذكرى وكانت "أم فرج" واحدة منهن، سيما وأن كل رسمة تجسد مشهد من مشاهد الطبيعة في فلسطين.
ارتأت "سعادة" بأن شخصية "أم فرج" أضافت للفيلم الكثير من التشويق، سيما في ظل التعامل مع سيدة تعشق التراث وتجعله روتيناً يومياً لديها.
ويبدو أن عملية انتقاء شخصية" أم فرج" لم تكن عبثية، بل خضعت لعملية بحث دقيق ومدروس، رغم مواجهة مخرجة العمل العديد من التحديات من خلال إيجاد طريقة للحوار مع سيدة معمرة عاصرت النكبة بكل تفاصيلها، إضافة إلى التعايش مع عائلة أم فرج وأحفادها من أجل بناء علاقة جيدة مع البيئة المحيطة أثناء مراحل التصوير.
كما وربطت "سعادة" بعض المشاهد من مسيرات العودة على حدود قطاع غزة في فيلمها، في محاولة منها لربط تفاصيل حكاية أم فرج وحنينها إلى وطنها روبين.
الغول
رقصات تعبيرية كانت كفيلة بإيصال صورة شبح "الغول" الذي يجتاح مخيلة الأطفال منذ الصغر ليكبروا وتكبر معهم الحكاية إلى واقع يطاردهم في غفلتهم ويقظتهم ويسرق منهم أحلامهم!
غرفة مغلقة تهتز جدرانها من أصوات القنابل وفي داخلها أم تحاول احتواء الموقف والسيطرة على خوف أطفالها الذين ما لبثوا يهربون من زاوية إلى أخرى للاحتماء بها من صوت قذائف الحرب، التي باتت تؤرق مضجعهم.
استطاعت الدسوقي الجمع ما بين الواقع والفانتازيا في مشاهد فيلمها التي واصلت الليل بالنهار على مدار 4 أيام ليخرج بهذه الجودة، حيث عملت على تجسيد العمل بطريقة واقعية تصف ما يحصل بالحرب من هلع وخوف الأم على أطفالها ومحاولة تأمين مكان يجمع شتات أجسادهم الراجفة، فلم تجد أفضل من حضنها مكان آمن في محاولة من الأم لاحتواء موقف الرعب الذي يجتاح قلوب أطفالها وقت الحرب.
الكوفية
فيما وظفت المخرجة أفنان القطراوي الكوفية كرمز وطني في فيلمها، إلا إن رصاص الانقسام بعثر الحلم الذي يجمع فتاتين من غزة والضفة لصناعة فيلم مشترك، يبرز معالم الحضارة العريقة في الوطن الجريح عبر عدسة الموبايل، ولكن في منتصف الرحلة تباغت رصاصة طائشة من مخلفات الانقسام إحدى الفتاتين ليتم الاستنجاد بالكوفية لمسح الدم، فتتحول الكوفية من رمز يحتضن الوطن إلى ضمادة تعالج جروح الانقسام.
أرادت المخرجة القطراوي أن توصل الرسالة بأن الانقسام أثر على مستقبل الشباب وأجهض محاولاتهم الجادة بولادة فيلم يجمع شطري الوطن بعدسة الشباب، إلا أن المحاولات تبقى بائسة في ظل الواقع الذي يعرِي أشكال الوطنية.
ستة شهور عمر ولادة فيلم "الكوفية"، وسط محاولات جادة لإخراج عمل فني يجسد الرمز الوطني، رغم القصف الإسرائيلي الذي باغت رحلة التصوير، وتأجيل استكمال العمل لوقت مناسب، إضافة إلى العمل مع أشخاص يضعون أولى خطواتهم في مجال التمثيل، وذلك بحسب المخرجة.
ويبقي الانقسام الفلسطيني يجهض أحلام آلاف من الشباب، بعد أن قررت بطلة الكوفية العزوف عن حلمها، وإلغاء استكمال تصوير فيلمها الذي يوثق الأماكن الأثرية في غزة، على صوت "أنا لا أنساك فلسطين".