الزمن يجري بسرعة شديدة والوقت لا ينتظر الشعوب المتثاقلة وحركة السياسة أسرع كثيراً من هذا التباطؤ الشديد حيث يبدو أننا نجر أقدامنا بلا تقدم ونوهم أنفسنا أننا نحقق أشياء، لكن الواقع أصعب كثيراً مما نتخيل وعلى كافة الصعد ليس أهمها المالي الذي يضغط في الضفة الغربية و غزة بما يشبه سيناريو ما قبل أوسلو بل إن المال هو تعبير عن أزمة اللحظة التي تمر بها القضية.


كيف تحقق هذا الانقسام وهو الأب الروحي لانتكاسة اللحظة؟ لا زال السؤال الكبير والمتجدد مع كل أزمة صغيرة تعود لجذورها في تلك الأيام التي أعلن الفلسطينيون فشلهم الكبير في احتواء أزمة تقاسم السلطة والناتجة ليس كما يتم التعبير عن أزمة برامج ولا أزمة ثقافات، فالبرامج ليست متباعدة وخصوصاً بعد تهدئات غزة والتي كانت جزءا من برنامج السلطة ولا ثقافات كما يشاع بل أزمة التقاسم التي آلت الى ما آلت إليه.


إن أزمة الانقسام تتمثل في العقل الشرقي الإقصائي الذي لا يجيد ممارسة العمل السياسي ومنظومته القيمية ومشتقاته ومصطلحاته وترجماتها واقعا والحلول الوسط والتنازل والشراكة وغير ذلك، وتلك جميعاً هي نتاج تكوين فكري وتطور اجتماعي تاريخي لم تصل له المنطقة العربية عموما وتزيد الأزمة لدى الفلسطينيين لأنهم حديثو التجربة السياسية وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية هي استنساخ التجربة العربية بل أكثر فقراً ويزيد تعميق الأزمة وجود الاحتلال الذي يعمل ليل نهار لإدامة الانقسام بل هو أكبر مشاريعه والأكثر نجاحاً كضرورة إسرائيلية لفصل غزة وإنزال حمولتها الديمغرافية المؤرقة للدولة.


ولكن أمام هذا المشهد الفلسطيني الذي لا يسر صديقا بل بات يشكل مقتل قضيتنا ومشروعنا الوطني، تفاءلنا في البدايات بمصالحة تنهي هذه الحقبة السوداء من تاريخ شعبنا الفلسطيني. كانت مراهنتنا على وطنية عالية هي جزء من ثقافة القوى والفصائل وخطابها وسلوكها التضحوي وتاريخها الزاخر ولأنه لا يصح إلا الصحيح ولأن الإرادة الوطنية لابد وأن تنتصر على الإرادة الإسرائيلية بالانقسام فإرادة الشعوب المتهورة أقوى كثيراً من إرادة المحتل فهل أخطأنا؟.


ولكن مع الزمن بدأنا نفقد الأمل وبدأت تتلاشى آفاق المصالحة فما أن ين فتح باب حتى يتم إغلاقه بسرعة وما أن تجري محاولة حتى يتم إسكاتها والنيل منها بالهجوم والهجوم المضاد بما امتلكت القوى من لغة قاسية وتراشق بات جزءا من مشهد الصراع شبه اليومي بين الفصائل يهدأ ثم يستعر بسرعة أقصر من الهدوء الذي يتحقق مع الاحتلال.


كل المحاولات بدت فاشلة وكل التدخلات لم تنقذنا من هذا الانقسام الذي ينخر عظم قضيتنا حتى وصل نخاعها، ولم نعد مؤسسة واحدة ولا مجتمعا واحدا وهو الأمر الذي تمكنا بصعوبة من إنجازه بعد التشتت و النكبة حين تفرق مجتمعنا في شتى أصقاع الأرض وتهددت هويته الجامعة ثم أعيدت قبل خمسة عقود لنعود بالانقسام من جديد مشتتين بلا مؤسسة واحدة ولا سياسة واحدة.


هل فشلنا ولن تكون مصالحة؟ أخشى أننا لن نتمكن من إعادة الوحدة وأن ما حدث قد ترسخ للأبد معلناً عجزنا النهائي وإذا كان هذا الكابوس الذي مثل كل مصائبنا التي يتحول المؤقت الى دائم كما نخشى جميعا مثل الهجرة والعودة وكما أوسلو بتنا نخشى أن الانقسام قد تأبد وتوقفنا عند هذه اللحظة السوداء ولن ينتهي هذا الكابوس.


ما حدث ويحدث ليس شيئاً طبيعياً بل يخالف كل نواميس الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال، وقد تكرر ما يمكن أن يقال على أقلام الكتاب وألسنة السياسيين والمؤسسات والشخصيات الوطنية وكل الذين يجرحهم هذا المشهد بأننا نعبث بقضيتنا فلا أحد أضر بها بقدر هذا التشوه الذي أحدثناه بمشروعنا الوطني الى هذا الحد.


نحتاج الى نظام سياسي موحد، نحتاج الى وحدة الجغرافيا وأن نقطع الطريق على المشروع الإسرائيلي بأن نطوي هذه الصفحة السوداء التي أنهكت الوطن والمواطن وأصبحنا عرضة للضغط أكثر وللابتزاز أكثر وللتهديد بتجريد السلطة التي كانت سبب أزمتنا وذهب الصراع عليها بنا الى هذا الوضع.


ولكن كيف يمكن أن نغادر هذا المربع؟ فقد بات واضحاً أن الفصائل عجزت والتي أخذت ما يكفي من الوقت ولكن النتيجة كانت صفرا كبيرا سوى أن الانقسام ترسخ أكثر لدرجة بات يظهر أن إنهاءه يحتاج الى معجزة وإذا كانت الفصائل غير قادرة وإذا كانت الدول الإقليمية أيضاً والتي حاولت ولكنها لم تتمكن من مصالحتنا فلم يبق غير الشعب الفلسطيني صاحب القضية والولاية والأرض والسلطة والمشروع والذي يوزع الصلاحيات والمسميات والوظائف ولكنه مسلوب من كل شيء وهنا المعضلة.


فلنجرب الشعب مرة واحدة وهو الذي لم يخذل تاريخنا وكلما تعرضت القضية لانتكاسة يهب مرة واحدة لينتشلها من جديد هكذا أثبت بعظمته التي تجسدت عبر التاريخ، وليست هناك انتكاسة تشبه الانقسام فلتسلم الأمانة لصاحبها ولتتفق الفصائل على الانتخابات فقط بعيداً عن تفاصيل المصالحة وبعدها يمكن إذا ما تجدد النظام السياسي حينها سنكون أمام واقع مختلف، الفائزون سيشكلون حكومة واحدة للوطن لكن حين تغيب إرادة الشعب ويغيب دوره سيكون هناك مزيد من الانهيار..!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد