بدعوة كريمة من المملكة المغربية الشقيقة، ونزولاً عند رغبة سفيرها في فلسطين الأخ والصديق الأستاذ محمد الحمزاوي، وإكراماً له سارعت على عجل، ولملمت أوراقي على جناح السرعة، وتشرفت بالمشاركة في احتفاليات إطلاق مشروع طنجة المتوسط ـ 2 ـ، في هذه المدينة المتألقة.
شارك في هذه الاحتفالية أكثر من 120 صحافيا وكاتبا وإعلاميا من كل بلدان العالم، إضافة طبعاً إلى الإعلاميين المغاربة.
بكل المقاييس أبهرتنا المعطيات، وشعرنا بقيمة الإنجاز الذي حققه المغرب الشقيق.
وبكل المقاييس وقفنا على قصة نجاح ممتدة.
بدء التفكير بهذا المشروع يعود للعام 2003، عندما أشار العاهل المغربي في خطابه آنذاك إلى ضرورة جعل طنجة المتوسط منطقة ونموذجاً للتنمية الإقليمية المتكاملة.
في ذلك الوقت لم يكن الميناء يحظى بأهمية خاصة وحتى العام 2007 ـ 2008. أما اليوم فالمدينة كلها ورشة أشغال استثنائية، إضافةً إلى جمالها وعراقتها وطيبة أهلها.
أنجز مشروع طنجة ـ 1 ـ في نهاية العقد الماضي فأطلقت أعمال طنجة المتوسط ـ 2 ـ في غمرة انهماك الاقتصاديات العالمية لمواجهة الازمة الاقتصادية التي ضربت الاقتصاد العالمي، بدءاً من الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة، والتي منها امتدت إلى كافة مراكز الاقتصاد العالمي، وإلى قطاعات البنوك والصناعة ومراكز المال العالمية، إضافة إلى الانهيار الكبير الذي ألمّ بقطاع العقارات في حينه.
شكك البعض في قدرة المغاربة على إنجاز هذا المشروع العملاق في ظل تلك الأجواء الاقتصادية والنفسية الاستثمارية في ذلك الوقت، لكن الزمن أثبت أن قوة الإقدام والمثابرة والاصرار على النجاح، ومواجهة التحديات التنموية لدى المغاربة كانت هي الأقوى، وهي وحدها صاحبة القول الفصل والكلمة النهائية.
وعندما يتعلق الأمر بالأرقام والمعطيات والحقائق التي أنجزت فلدينا خارطة بهيّة ومتألّقة:
مجموع ما تم استثماره حتى الآن ناهز الـ 88 مليار درهم، (كل دولار يساوي 9,3 درهم) بما في ذلك 53 مليارا استثمارات مباشرة من القطاع الخاص.
يربط مشروع طنجة المتوسط 1 + 2 المغرب بـ 77 دولة و186 ميناء في العالم.
تجاوز مشروع طنجة المتوسط كل الموانئ الأفريقية بما في ذلك بور سعيد في مصر وميناء ديربان في جنوب أفريقيا وهو يتربع اليوم على قمة الموانئ الأفريقية.
وهو منصة للتصدير من البضائع المعالجة بقيمة إجمالية تجاوزت 317 مليار درهم.
المغرب كان في المرتبة الـ 83 عالمياً للربط البحري واليوم يحتل المغرب المركز 17 عالمياً.
توفرت في المغرب من خلال المدن الصناعية التي أقيمت في المنطقة أكثر من 75,000 فرصة عمل حتى اليوم.
بلغت القدرة على مناولة البضائع حوالي أربعة (4) ملايين حاوية، والمشروع تم تجهيزه لكي تصل قدرته الاستيعابية إلى حوالي تسعة ملايين حاوية (20 قدماً).
ومن زاوية مناولة الحاويات يحتل مشروع طنجة ـ 2 ـ المركز 45 من بين أكبر 500 ميناء على مستوى العالم.
في العام 2018 عبر الميناء أكثر من 2,8 مليون مسافر.
طنجة المتوسط هو أول ميناء أفريقي يحصل على علامة الجودة ECOPORT من طرف المنظمة الأوروبية للموانئ البحرية ESPO.
تقدر الاستثمارات الجديدة للأفق 2025 بـ 9 مليارات درهم وهو منصة صناعية لأكثر من 900 شركة بحجم أعمال يفوق ما مجموعه 7,300 مليار أورو، وبعدد من الركاب يصل إلى 7 ملايين راكب و700,000 شاحنة، ومليون سيارة، و45 مليون طن من الوقود.
تجدر الإشارة هنا إلى أن القطاعات الصناعية تشتمل على صناعة السيارات والطائرات والنسيج وبنية للخدمات اللوجستية للتجارة بأعلى المواصفات العالمية.
طنجة المتوسط تجسيد مبدع وخلّاق لرؤية العاهل المغربي، من جهة ولقدرة الإنجاز لمشروع عملاق، متكامل وهيكلي ونموذج للقدرة الإدارية والمواءمة بين النشاط المينائي الشامل والصناعات الكبيرة، وهو قبل هذا كله نموذج للشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمغرب.
98 % من العاملين والفنيين والمهندسين البحريين هم من الكوادر المغربية، وهم يمثلون في الواقع مستوى ما وصلت إليه المملكة الشقيقة في مجال الموارد البشرية.
قسمت المجموعات من الصحافيين والإعلاميين حسب اللغات، وكان من نصيبنا أن استمعنا (نحن العرب) إلى محاضرة رصينة من الأستاذ حسن عبقري، نائب المدير العام للسلطة المينائية ـ طنجة المتوسط ـ بلغة عربية فصيحة وبليغة، ومرادفات عربية منحوتة بعناية تحاكي بدقة متناهية المصطلحات العلمية باللغات الحية العالمية.
لا أرى أن مشروع طنجة المتوسط ـ 2 ـ وآفاقه المستقبلية يضع المغرب في وضع المتأهب كي يصبح الميناء الأول على مستوى البحر المتوسط فحسب، بل ان المغرب يتوثّب في الواقع لهذا الترتيب بكل ما يعنيه من إنجاز وإعجاز اقتصادي عملاق.
وعندما يحاول المرء أن يفكر في سرّ هذه النجاحات، وفي مستوى هذه الإنجازات التنموية فإن المؤكد هو أن المغرب لديه رؤى، ولديه الأدوات، ولديه الإرادة للعبور إلى المستقبل.
وهذا ـ كما أرى ـ هو الفارق الجوهري بين النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة.
المغرب حتى وإن كان يطمح للنمو، فهذا ضروري وهام وحيوي، لكن عين المغرب على التنمية الشاملة.
وحدها التنمية الشاملة، وفي القلب منها تطوير المصادر البشرية هي التي تحقق العبور إلى المستقبل، وهي وحدها التي تضع المغرب في عملية اشتباك وانخراط فعال بالاقتصاديات الدولية.
أثبتت الوقائع والحقائق المدعومة بالمعطيات والأرقام الموثقة أن المغرب قد استطاع، وخرجنا كلنا وبدون استثناء، نحن، الإعلاميين والصحافيين والكتّاب الذين شاركوا القيادة المغربية والشعب المغربي بهذا الإنجاز العملاق باستنتاج أن المغرب سيستطيع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية