قبل الانتخابات السابقة التي جرت في شهر نيسان الماضي كان تشكيل ائتلاف "أزرق - أبيض" التطور الأهم في الخارطة السياسية والحزبية. وبالرغم من عدد المقاعد الكبير الذي حصل عليه هذا الائتلاف الذي ضم أربعة جنرالات ورؤساء أركان سابقين إلا أنه لم يستطع أن يشكل الحكومة نظراً لأن اليمين حصل على أغلبية 65 مقعداً مقابل 55 مقعداً لأحزاب الوسط واليسار ومعهم القائمتان العربيتان. ولكن فشل رئيس الحكومة في تشكيل حكومة جديدة تحظى بدعم غالبية أعضاء الكنيست قاد إلى حل الكنيست بسرعة، قبل أن يكلف الرئيس الإسرائيلي قائمة "أزرق - أبيض" بتشكيل الحكومة وتهديد حكم نتنياهو. وعملياً لم يحظ الفائزون في الانتخابات السابقة بفرصة الحكم وأن يحتلوا مناصبهم في الحكومة والكنيست. 
الانتخابات القادمة تحمل في طياتها تغييراً آخر وهذه المرة بعودة إيهود باراك رئيس الوزراء الأسبق إلى السياسة بإعلانه عن تشكيل حزب جديد وخوض الانتخابات للكنيست في السابع عشر من شهر أيلول القادم. وهذا التغيير يحمل معنى إضافياً قد يؤثر على نتيجة الانتخابات ليس بسبب شعبية باراك المتهم من قبل معارضيه بأنه كان رئيس حكومة فاشلاً، بل بفضل وجود حالة فراغ قيادي في إسرائيل والمشاكل التي يعاني منها نتنياهو والتي قد تقضي على فرصه بتشكيل الحكومة القادمة. واليوم، تشهد إسرائيل غياباً ملحوظاً لقادة ينافسون نتنياهو حتى في أوساط حزب "الليكود" الحاكم، لا يوجد شخص يستطيع أن يحتل مكانه، وإذا غاب عن رئاسة الحزب من المتوقع حسب تقديرات إسرائيلية عديدة أن يفقد "الليكود" عدداً مهماً من مقاعده وستهبط شعبيته كثيراً. وهذا ينطبق على أحزاب اليمين واليسار على السواء. وربما إذا فاز عمير بيرتس برئاسة حزب "العمل" يمكنه أن يعوض جزءاً من هذا النقص.


دخول باراك معترك السياسة من جديد سيقود إلى سحب مقاعد من وسط الخارطة السياسية ومن المرجح أن يكون هذا على حساب حزب "الليكود" وائتلاف "أزرق - أبيض"، والأهم هنا هو فقدان اليمين عدداً من المقاعد. وفي الاستطلاع الذي أجري مباشرة بعد إعلان باراك تشكيل حزب جديد حصل على ستة مقاعد وحصلت المعارضة مجتمعة على 61 مقعداً بينما اليمين بمن فيهم أفيغدور ليبرمان وزير الحرب السابق وحزبه "إسرائيل بيتنا" نالوا فقط 59 مقعداً. وهناك من يتوقع أن تتراوح مقاعد حزب باراك الجديد بين 6 إلى 10 مقاعد، وكلما ازدادت مقاعده ستنخفض فرصة اليمين في الحصول على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات القادمة. وقد تحدث مفاجأة جديدة إذا زادت المقاعد العربية على 13 مقعداً في ظل توحد الأحزاب العربية المتوقع في قائمة واحدة.


تاريخ باراك في الحكم كان سلبياً على الفلسطينيين وعلى معسكر اليسار الإسرائيلي، فهو الذي ابتدع شعار "لا يوجد شريك فلسطيني" بعد فشل قمة كامب ديفيد في صيف العام 2000، وقادت مواقفه إلى إحباط شديد لدى الشعب الفلسطيني ما تسبب في اندلاع الانتفاضة الثانية وهو الذي بدأ بقمع الفلسطينيين بشدة في الأراضي المحتلة وفي الداخل، على الرغم من أنه كان يفاوض الفلسطينيين سراً وعلى الرغم من التقدم الذي أحرز في مفاوضات "طابا". وهو الذي ارتكب حماقة عندما ذهب إلى انتخابات مبكرة قبل التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين على اعتقاد منه أنه يمكن أن يحصل على تفويض من الشعب والذهاب بعد ذلك إلى تسوية مع القيادة الفلسطينية. وكان هو واليسار عموماً ضحية شعاره الغبي وغير الصحيح "لا يوجد شريك فلسطيني" وسقط في الانتخابات وجاء شارون إلى الحكم في العام 2001.


المثير للاهتمام أن باراك يستطيع أن يستقطب عدداً كبيراً من نشطاء حزب العمل الذي فقد الكثير من قوته في الانتخابات الأخيرة وحصل فقط على ستة مقاعد بسبب سياسة رئيسه الحالي آفي غباي الذي اعتمد سياسة يمينية غامضة لمنافسة "الليكود"، والذي سيغادر منصبه قريباً كرئيس للحزب في الانتخابات التمهيدية القادمة. وهناك من يعتقد أنه على باراك العودة لحزب العمل وترؤسه في الانتخابات القادمة حتى أن بعض الشائعات تقول، إن هناك حواراً متقدماً بين رئيس "العمل" غباي وباراك من أجل عودته للحزب برغم نفي الأخير للخبر.


ربما تعلم باراك من خسارته السابقة ومن فشله في العملية السياسية وهروبه إلى الأمام، وربما تشكل عودته فرصة أخرى لأحزاب الوسط واليسار للعودة للحكومة، على أنقاض انهيار نتنياهو الذي يتوقع أن تقدم ضده لائحة اتهام قبيل تشكيل الحكومة القادمة بغض النظر عن فوزه أو خسارته. ولكن هل تعلم حزب العمل أنه بتركه موضوع الحل السياسي والهروب من الإجابات الضرورية على كيفية التوصل إلى سلام حقيقي فقد مبرر وجوده؟ وهل تعلم الفلسطينيون في الداخل الدرس من الانقسام ومن السلبية وعدم المشاركة بكثافة في التصويت ومن فقدان القدرة على التأثير حتى على مستوى الأمور الحياتية الحيوية التي تهم كل مواطن، وأن ضعف تمثيلهم يزيد قوة اليمين ويزيد تهميشهم ويضيع حقوقهم ويضعف كفاحنا من أجل حقوقنا؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد