بحضور عربي وازن، وأهداف ليست خافية على أحد، تواصل الولايات المتحدة الأميركية، العمل، وممارسة المزيد من الضغوط، من أجل إنجاح "ورشة البحرين". 


الأهم في الحضور، بالنسبة للولايات المتحدة، دول الخليج، والدول ذات الوزن السياسي المحيط بفلسطين، والتي لها علاقة مباشرة، بوجود أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها. الدول العربية التي أعلنت عن موافقتها على الحضور وتؤمن الهدف الذي تسعى لتحقيقه الولايات المتحدة من وراء انعقاد هذه الورشة. لا نستطيع محاكمة الحضور العربي، وفق معايير واحدة، فبعضها، منخرط عن قناعة وانعكاساً لاستراتيجيات وسياسات تتعلق بالمصالح والأولويات، وبعضها الآخر يساق إلى المؤتمر، تحت الضغط الشديد والتهديدات الصريحة والمبطّنة حتى لو أن لديها رؤى وسياسات مختلفة ومخالفة.


تحضر إسرائيل، شاء من شاء وأبى من أبى، فهي طرف أساسي في معادلة المخطط الأميركي الإسرائيلي، سواء فيما يتعلق بوجود نحو خمسة ملايين لاجئ في الأراضي المحتلة، أو لأنها صاحبة مصلحة في توطين اللاجئين، وتصفية حقهم في العودة، أو لأنها أيضاً معنية بالتنفيذ المباشر للخطة الاقتصادية، والانفتاح أكثر على المحيط العربي. إذا كانت سورية غير مخاطبة، بحضور هذا المؤتمر رغم وجود مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين على أرضها، فإن لبنان هو الدولة الوحيدة من بين الدول المستضيفة لمئات آلاف الفلسطينيين هو الذي رفض مبكراً وعلنياً الحضور. الرفض اللبناني سببه الأساسي، أن وجود نحو ثلاثمائة ألف فلسطيني على أرضه، سيؤدي في حال قبوله بالتوطين، إلى إحداث تغيير جذري في التركيبة الطائفية الديمغرافية، وتناسب القوى، بما يهدد استقراره ويهدد التوافقات التي بني على أساسها النظام السياسي.


الحضور الأردني، يعني أن الأردن في وضع لا يُحسد عليه أبداً، فهو توأم الشعب الفلسطيني، ومن ذات الرؤيا، يرفض " صفقة القرن " لأنه متضرر، بل هو الحلقة الأكثر تضرراً من الفلسطينيين في حال نجاح الملف الأميركي الإسرائيلي في تنفيذ وفرض "صفقة القرن".


من حق النظام في الأردن، أن يخشى من أن يؤدي تنفيذ الصفقة إلى تحويله، إلى ما نادى به شارون، الذي اعتبر أن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين، خاصة وأن توطين ملايين اللاجئين الفلسطينيين على أرضه، سيؤدي إلى انقلاب جذري في التركيبة السكانية، لصالح الفلسطينيين، بما ينعكس على تركيبة وطبيعة النظام السياسي.


ولو أضفنا إلى ذلك أن المخطط الأميركي الإسرائيلي يستهدف مرحلياً التخلص من الكثافة السكانية الفلسطينية في الضفة، ودفعها نحو الأردن فإن الأردن في هذه الحالة، سيكون أمام كارثة تاريخية.


الجرح الذي يعاني منه النظام الأردني، يعود إلى أنه يدرك المخاطر، الكبيرة التي تنتظره في حال الموافقة، أو الانصياع للضغط الأميركي الإسرائيلي، وبأنه سيدفع ثمناً باهظاً، لمثل هذه الموافقة، ولكنه مضطر للحضور، لأنه لا يستطيع مقاومة الضغوط الأميركية والعربية التي تمارس بحقه.


الشعب الأردني الشقيق، يدرك كما يدرك الشعب الفلسطيني، طبيعة هذه المخاطر، ولذلك، فإن موقف النظام الفعلي إزاء مخرجات وأهداف "ورشة البحرين"، سيكون له الكلمة الفصل. 


حتى الآن رسالة الشعب الأردني واضحة، ولا تقلّ وضوحاً، وحزماً من رسالة الشعب الفلسطيني، حيث يتوحّد الشعبان في الموقف الرافض والمقاوم لـ "صفقة القرن" بكل مفاصلها وتفاصيلها، وليس فقط "ورشة البحرين".


الفلسطينيون كما الأردنيين في المربع ذاته، إزاء المخاطر الكبيرة والجذرية، التي تواجه الطرفين، وهما أيضاً متوحّدان على مقاومة الصفقة الأميركية الإسرائيلية.


الفلسطينيون معنيون خلال الأيام القليلة القادمة قبل وأثناء وبعد انعقاد "ورشة البحرين"، بأن تكون رسالتهم شعبياً ورسمياً وفصائلياً، أكثر من واضحة، وأكثر من حازمة، ليس فقط من خلال إعلان المواقف وإنما من خلال العمل على الأرض بخطوات ذات مغزى وتأثير.


ينبغي أن تكون الأيام والأسابيع المقبلة أيام تصعيد للمقاومة الشعبية السلمية، التي ينبغي أن تعمّ كافة أرجاء الوطن الفلسطيني والشتات والمهاجر. وإذا كانت الولايات المتحدة، لا تنتظر، كما لم تنتظر قبلاً موافقة أو حتى غطاءً فلسطينياً على ما أقدمت وما تُقْدِم عليه، لأن آلية تنفيذ الصفقة تقوم على فرض الوقائع على الأرض، بإجراءات وسياسات أحادية الجانب، فإن الرد الأهم، على تلك المخططات يكون بإنهاء الانقسام الفلسطيني فوراً.


إن إنهاء الانقسام الفلسطيني، يعني تغييراً في الحسابات والأجندات والرؤية الخاصة للمصالح الحزبية، وتغييراً في الاستراتيجيات، وإلاّ فإن المتغير الأميركي الإسرائيلي العربي، سيفرض إرادته، على الثابت الفلسطيني المتعلق بالانقسام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد