أنهيت قبل أيام قراءة رواية الكاتب نبيل عمرو «وزير إعلام الحرب» التي أعادتني إلى أجواء هزيمة حزيران 1967، قرأتها كشريط سينمائي من أماكن وشخوص وأحداث، وتعاملت معها كمشاهد أكثر من قارئ يتنقل بين السطور، بل بين مشاهد عكست متابعة حثيثة لهذا الحدث الذي رسم فيما بعد، ما تمخضت عنه هذه الحرب من خارطة سياسية جديدة للمنطقة العربية، ولعلّ قرية «كفر عرب» حيث تدور مشاهد الرواية، تمثل بشكل دقيق المنظومة العربية برمتها قبيل هذه الحرب وأثناءها ونتائجها، ويمكن القول إنه بالإمكان نقل هذه المشاهد كما هي مع بعض التعديلات على كافة قرى وأرياف المنطقة العربية والجيل الذي كان من نصيبه أن يكون شاهداً على هذه الحرب، لست ناقداً أدبياً، ولكنني مشاهد جيد ومتابع دائم للأعمال السينمائية، لذلك فإن هذه الرواية بالنسبة لي، أحد أشكال الشريط السينمائي جيد الصنع والإخراج، وشهادة على إحدى أظلم حقبات تاريخنا المعاصر، خاصة وأن مطالعتي السينمائية لهذه الرواية، جاءت في توقيت مناسب، ذلك أننا الآن نعبر العام الثاني والخمسين لهذه الهزيمة التي كان من شأنها أن تشكل سلسلة من الهزائم والنكبات والانتكاسات منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
جملة التحوّلات التي أدت إليها تلك الحرب، في «كفر عرب» والتي انعكست فيما بعد على كافة المناحي الاجتماعية بالتحديد، يمكن ملاحظتها من خلال إحدى نتائج هذه الحرب على هذا الصعيد والذي تمثّل في إعادة الوحدة الجغرافية والسكانية لفلسطين التاريخية لعام 1948، فقد توحّدت الضفة الغربية وقطاع غزة مع بقية فلسطين التاريخية، التواصل الاجتماعي والاقتصادي خلق بشكل ما وبحدود معينة، وفي تناقض صارخ، فبينما أودت نتائج هذه الحرب بالتيارات القومية وزعيمها جمال عبد الناصر، فإن فلسطين التاريخية، في السياق الوطني والاجتماعي، باتت أكثر قدرة على التعبير عن القومية العربية التي تلاشت خارج تلك الحدود، هذا التطور ذو الطبيعة «الديمغرافية» كان له كبير الأثر في تحديد هوية «الدولة اليهودية»، وهو الأمر الذي لم يستثمر استثماراً حقيقياً لصالح تعزيز التيار القومي العروبي، الذي تم الحد منه، اثر اتفاق اوسلو، و»انفصال» قطاع غزة والضفة الغربية، انفصالاً سياسياً بحدود واهية، وانفصالاً اجتماعياً بقرارات إسرائيلية.
في ظل تلك الهزيمة النكراء، قبس من وهج بزغ ليطل على المنظومة العربية التي كانت تكتوي بنار الهزيمة، من خلال تعزيز المقاومة الفلسطينية التي برزت كعنوان للمواجهة الشعبية الفلسطينية، رغم مرارة الهزيمة، انطلاقة الثورة الفلسطينية لتجدد نفسها وقدراتها في مواجهة العدو الإسرائيلي، لم تكن لتنجح، لولا عجز الأنظمة المهزومة عن ملاحقتها، بل إنها اضطرت إلى دعمها وللوقوف إلى جانبها لتبرئ نفسها من كونها الأنظمة التي قادت إلى هذه الهزيمة. إن التفاف الشعوب العربية في ذلك الوقت حول الثورة الفلسطينية وانضمام أعداد كبيرة من المواطنين العرب والأصدقاء الأجانب، إلى هذه الثورة العملاقة كان بسبب أساسي يعود إلى هزيمة الأنظمة وانتصار الشعوب، خاصة الشعب الفلسطيني، إلاّ أن ذلك أيضاً، لم يستثمر لرسم سياسات ترسخ مفهوم المقاومة، ومع الوقت، تبخر هذا المنجز الذي تحول إلى هدف احتفالي، ما مكن النظام العربي الرسمي من إخضاع الثورة الفلسطينية إلى بيت الطاعة العربي بشكله الرسمي، الأمر الذي أصاب الثورة الفلسطينية بالوهن بعد أن تم تقليم أظافرها المسلحة في عدة ساحات عربية، في الأردن ولبنان وسورية، دول الجوار، وفي دول النفط التي مارست على الثورة التي اعتادت تلقي الدعم المالي منها، وقف إمدادها بالعون والمساندة، مع ذلك فإن الإنجاز الأهم في تلك المسيرة، هو قيام منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وكما كل الإنجازات فإن هذا المنجز، بات باهتاً وضعيفاً وأكثر اقتراباً من الزوال!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية