ربما لا يختلف غالبية الناس على الدور الإيجابي الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني وباستثناء مجموعات محدودة من المحافظين جداً، يستخدم أغلب الناس في مختلف أرجاء العالم هذه الوسائل للتواصل بين البشر ولإرسال رسائل والترويج لأفكار وقيم ومواقف عبر أساليب مختلفة منها المباشر ومنها غير المباشر. وهذه الوظيفة في حد ذاتها مفيدة وتخدم الناس وتساهم في جعل العالم قرية كونية أكثر من أي شيء آخر لأنها في متناول غالبية الناس ويمكن استخدامها في كل الأوقات وفي كل الظروف، ولا تحتاج لأماكن خاصة أو استعدادات معين بل كل من لديه جهاز تليفون نقال أو حاسب آلي أو شيء شبيه تكون وسائل التواصل الاجتماعي في متناول يديه. ولكن هناك وجها سلبيا آخر ويحمل صفة هدامة ومدمرة لاستخدام هذه  الشبكات، وينبع أساساً من غياب الضوابط لاستخدامها، وحتى أصحاب الشبكات والقائمون عليها لا يمكنهم ضبط المواد التي تنشر فيها واذا كان لهم أن يتدخلوا فيكون تدخلهم متأخراً بعد حصول الضرر، ناهيكم عن أن تدخل الشبكات الاجتماعية يكون بشكل رئيس خاضعاً لاعتبارات سياسية أكثر منها أخلاقية وقيمية.
يستطيع أي مواطن من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي أن ينزل على صفحته أو صفحة غيره ما يشاء، فالأمر لا يحتاج سوى كتابة التعليق ونشره بكبسة زر، وقبل أن ينتبه أحد لفحوى المادة تكون قد حظيت بتعليقات كثيرة وانتشرت على نطاق واسع، وبعدها تصبح امكانية معالجة الضرر محدودة في حالات أن تكون المادة مضرة وهدامة أو تمس بخصوصية وسمعة أشخاص أو مؤسسات، عدا عن الأضرار الفادحة التي تلحق بمجتمع كامل عند الترويج لأفكار الكراهية والتطرف ومحاولة تجنيد الناس لمجموعات عنصرية أو متطرفة تلعب دوراً سلبياً في ثقافة المجتمع وتمس أمنه واستقراره.


وفي حالتنا الفلسطينية ينتبه الناس أكثر لأي حديث يتضمن مقاومة الاحتلال، وتحت هذا الشعار يمكن ضخ الكثير من المواد التي لا تخدم هذا الهدف بل تدمر النسيج الوطني الاجتماعي والسياسي تحت مسميات فضفاضة ولها رنين تطرب له الأذن في كثير من الأحيان، وهذا ينطبق على القضايا المتعلقة بالدين على اعتبار أن مجتمعنا محافظ ومتدين بطبيعته، وازداد هذا التوجه في سنوات الانتفاضة الثانية على وجه الخصوص بعد انتشار حركات الاسلام السياسي. وأصبح من السهل، في ظل سيطرة شعارات مهيمنة على الخطابين السياسي والديني، أن يتهم أي مواطن بالخيانة أو الكفر والخروج من الملة كما يقولون. وبمجرد نشر تعليق هنا وهناك بحق شخص أو مؤسسة معينة  حتى يتم تداوله باعتباره حقيقة ويتم اتخاذ موقف عام من الكيان المتهم بأي شيء. وللأسف غالبية المواقف التي يجري تعميمها سواء باستخدام «لايك» أو بنشر تعليق «بوست» لا تخضع لفحص أو قراءة من قبل المؤيدين والمعلقين أو المعارضين، ويبدو في كثير من الأحيان سطحية ومجتزأة. والأسوأ هو استخدام عبارات الشتم والاساءة بدلاً من الجدل والنقاش الصحي والبناء في حال الاختلاف.


بطريقة أو بأخرى تحولت شبكات التواصل الاجتماعي الى وسيلة للإساءة للناس والحصول على شعبية زائفة من خلال كيل الاتهامات وإصدار شهادات جدارة مهنية أو وطنية أو دينية بحق أي كيان سواء أكان شخصاً أو مؤسسة دون الاعتماد على أي أسس للتقييم، والحديث يتكرر بمجرد إنزال تعليق ونشر أي شيء لدرجة أن يخيل للمتصفح للشبكات في لحظة معينة أنها أصبحت مكب نفايات يعبر فيها كل المرضى عن مكنونات نفوسهم دون أي وازع من ضمير أو أخلاق أو وطنية أو حتى دين. والسبب واضح هو أنه يمكن لأي شخص أن يكتب ما يشاء وينشره في لحظة. وهذا على خلاف المواقع الإعلامية التقليدية والإلكترونية المسجلة والتي لها صدقية وسمعة طيبة كوسائل إعلام محترمة، فهي لا تنشر أية إساءة أو تحريض ضد الآخرين بشكل يعرضهم للأذى والخطر وهي أيضاً خاضعة لسلطة القانون.


وللأسف يشعر رواد شبكات التواصل الاجتماعي أنهم فوق القانون ولا يلتزمون بأية قواعد، ولهذا يكثر الاستخدام السلبي للشبكات بشكل يفوق الوظيفة الايجابية المتعلقة بنشر وتعميم المعلومات والفائدة بين البشر. وهذا يتطلب أولاً نشر منظومة لأخلاق استخدام الشبكات شبيهة بأخلاق مهنة الصحافة التي من المفترض أن يلتزم بها العاملون في هذه المهنة المحترمة والضرورية للغاية في أي مجتمع سليم أو يسعى للتطور والتقدم. والشيء الآخر المهم في هذا السياق هو تطبيق القانون على كل مخل ومسيء ومن ينشر مادة تضر بقيم ومصالح وحقوق الأفراد والمجتمع وتناقض حقوق الإنسان بصورة عامة. ولدينا قانون يمكن اللجوء إليه لمقاضاة كل من يخرج عليه وينتهكه. واذا كان صحيحاً أن قانون الجرائم الإلكترونية يحد من حرية الرأي والتعبير وربما بحاجة الى تعديل أو إلغاء، ولكننا في كل الأحوال نحتاج الى قانون عصري يضبط استخدام الناس لشبكات التواصل الاجتماعي لكي لا تتحول الى وسيلة هدم وتدمير في مجتمع يعاني الكثير من الإشكاليات لا تقتصر فقط على الاحتلال وجرائمه وممارساته. فلنحافظ على أنفسنا وعلى وحدة مجتمعنا، فشعار الوحدة الوطنية لا يمكن تطبيقه فقط في القضايا السياسية الكبرى التي لا توجد حولها خلافات كبيرة كما كان في السابق، بل في كل تفاصيل حياتنا بدءاً من طريقة الحوار الداخلي التي تمكننا من التكامل في ظل الاختلاف. فمن يطلب الحرية في التعبير عليه أن يحرص على حرية غيره وعلى حقوقه كاملة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد