قديماً كانت الحروب تنشأ حين يحدث احتكاك حول منابع المياه أو مصادر الكلأ، أو بدافع السطو خاصة من الأطراف الجائعة على الحواضر الغنية، ويبدو أن اليوم لا يختلف كثيراً عن الأمس، فحين يفرض البيت الأبيض الأميركي "الجوع" على إيران، فإن الجائع يضطر إلى أن يلجأ لسياسة "علي وعلى أعدائي" ولو أدى الأمر به إلى الانتحار ما دام يأخذ معه إلى الموت عدوه.
دون وجه حق، يتهم الرئيس الأميركي اليميني المتطرف الذي يكره كل الآخرين، إيران بأنها دولة راعية للإرهاب، مع انه هو نفسه راع للاحتلال والذي هو إرهاب دولة اشد خطرا وقسوة من إرهاب الجماعات والأفراد، وهو باتهامه إيران يفترض فيها وفي القوى والأحزاب والجماعات الحليفة لها، وبالأخص جماعات المقاومة الفلسطينية والعربية، جماعات إرهاب، دون أي سند سوى وجهة نظره هو، وهو أكثر من ذلك، انسحب من الاتفاق النووي مع أن ذلك الاتفاق كان قد عقد مع إيران بمشاركة بلاده رسميا ولكن في عهد سلفه الديمقراطي الذي يكرهه ترامب كما يكره كل الديمقراطيين الأميركيين ويتهمهم باليسارية ويصفهم بأوصاف حمقى أخرى، كذلك بمشاركة دول عظمى خمس أخرى، هي روسيا، الصين، ألمانيا، بريطانيا وفرنسا.
انسحب هو من الاتفاق وأعلن منفرداً بأن إيران دولة راعية للإرهاب، ومن ثم وهذا الأخطر والأسوأ والذي يذكر بسياسات هتلر وألمانيا النازية في عهد ذلك الرجل، فرض عقوبات اقتصادية على إيران، دون سند دولي، أي دون أن يصدر عن المنظمة الدولية "الأمم المتحدة" أي قرار بهذا الشأن، والأسوأ والأخطر والذي يدل على النزعة الفردية المستبدة، نزعة التسلط على كل الآخرين للرجل الأحمق الذي يحكم الولايات المتحدة حالياً، هو أنه "سمح" لثماني دول باستيراد النفط الإيراني لمدة ستة أشهر فقط، بعد أن اتخذ قراره بمقاطعة النفط الإيراني.
أميركا/ترامب أعلنت هدفها من فرض العقوبات الاقتصادية وهو منع تصدير النفط الإيراني، وهذا يشبه إلى حد كبير ما تفعله تجاه فنزويلا أيضاً، وحيث أن إسرائيل مستمرة في تحريض أميركا ضد إيران، فلا أحد يعرف إلى أي مدى تسعى "الدولتان" اللتان تتوافقان اليوم تماماً على سياسة التشدد والتسلط وفرض السياسة بالقوة على الآخرين، فهل تسعيان إلى تدمير مواقع المفاعلات النووية، أم أنهما تريدان إسقاط النظام الإيراني، أم تريدان أيضا تجريد إيران من قوتها العسكرية بما في ذلك قوتها الصاروخية بعيدة ومتوسطة المدى !
يقيناً، لو اندلعت الحرب وحقق ثنائي "تأبط حرباً" النصر فيها، فإنهما سيقومان بفرض شروط الاستسلام على إيران كما فعلا مع العراق، ولن يكتفيا بتحقيق كل ما سبق، أي تدمير المفاعلات النووية وتجريد إيران من السلاح، وإسقاط نظامها، بل أبعد من ذلك ستنشئ أميركا لها قواعد عسكرية في إيران وعمليا ستقوم باحتلالها كما فعلت بوجودها العسكري وسيطرتها السياسية على العراق ما بعد صدام حسين.
لكن القوة عادة ما تعمي عيون أصحابها، وإذا كان بنيامين نتنياهو ما زال عالقاً في شر أعماله، أي بتلابيب اليمين المتطرف الذي صنعه بيديه، رغم أنه حقق الفوز في الانتخابات البرلمانية التي جرت مطلع الشهر الماضي، فإنه ومعه دونالد ترامب سيعلقان أولاً في شر أعمالهما ثم سيقضيان ويذهبان معاً يداً بيد إلى غياهب التاريخ كرجلين عدوين للإنسانية بكل معنى الكلمة، ذلك أنهما يفكران في حرمان ملايين البشر في الشرق الأوسط من أبسط حقوقهم في الحياة وفرض العبودية السياسية عليهم بتجويعهم وحصارهم كما فعل نتنياهو مع الشعب الفلسطيني وكما يفعل الآن ترامب مع فنزويلا وإيران.
لكن لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار، ومعاكس له في الاتجاه، في السياسة كما في واقع الحياة والطبيعة، لذا فلا إيران ستصمت ولا شعبها ولا حلفاؤها ولا حتى شعوب الشرق الأوسط كله، هذا اذا صمتت دول الشرق والغرب على هذا الاستبداد والجبروت والطغيان الأميركي، الذي يتحكم بقوت البشر وحقهم في الحياة والذي يشرع في ارتكاب جريمة بحق الإنسانية كلها.
تصل العنجهية بترامب إلى حد أن يقول بأن إيران إذا دخلت الحرب مع الولايات المتحدة فإن ذلك سيمثل نهايتها، أي منطق فاشي هذا الذي يصل إلى حد التهديد بمحو دولة من خريطة العالم، وهل يعني هذا بان الرجل "المأفون" يفكر في استخدام القنبلة الذرية في حربه المتوقعة مع إيران؟!
قد لا يكون الأمر مستبعداً تماماً، ليس من ملف التهديد أو الردع، ولكن من ملف الحرب إذا ما اندلعت دون ضوابط أو حدود، لكن على أحد أن لا ينسى بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة حتى اليوم التي استخدمت هذا السلاح ضد البشر في اليابان، والتي على أساس تلك الجريمة فقط، تستحق أن يفرض العالم عليها حظراً، بل أن يفرض عليها تفكيك سلاحها النووي الذي يهدد البشرية كلها بالفناء، خاصة في ظل تحكم رجل متشدد يكره الآخرين مثل هذا المدعو دونالد ترامب بالكود السري أو بمفاتيح إطلاق تلك قوة الهلاك تلك.
جبروت القوة يعمي_ كما أشرنا_ عيون ترامب، لدرجة أنه يفكر بأن حربه ضد إيران ستكون نزهة، وهو يظن بأن البوارج الحربية والأساطيل وحاملات الطائرات تكفي لتحقيق النتيجة المرجوة دون خسائر تذكر، فحتى العراق الذي اعتبرت حرب إسقاط نظام صدام حسين واحتلال بغداد عام 2003 بمثابة نزهة فيه، نظرا للعدد المحدود من الخسائر البشرية الأميركية، لم يحدث له ذلك إلا بعد ثلاثة عشر عاماً من الحصار الذي فرضته أميركا ولكن عبر الأمم المتحدة.
هو يذهب إلى الحرب مع إيران والتي هي أقوى عسكرياً ولوجستياً بكثير من عراق صدام حسين، فقط بعد عام من الحصار، ودون خوض في التفاصيل فإنه يمكن القول بأن إيران ستواجه أميركا كما واجه حزب الله إسرائيل، وبنفس الإستراتيجية العسكرية، لذا فإن هزيمة ممكنة ومحتملة لأميركا التي لم تحقق أهدافها رغم مرور السنين لا في العراق ولا في أفغانستان، تبدو في أفق حرب يجري دق الطبول لها وتلوح في أفق الشرق الأوسط.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية