لقد فارقت الحياة، عائشة ماتت، لم يكن لها من اسمها نصيب، غفت الجفون إلى الأبد، وتركت خلفها مرارة العيش في عيون أشقائها الصغار، يتبادلون ألعابها وعرائسها وملابسها، يُبقون على سريرها مرتب ونظيف، إلا أن الأم لم تحتمل تلك المشاهد اليومية في غرفة نوم عائشة، جمعت ما تبقى من ملابسها، ووظبت الدولاب ورتبته، واختفت معالم عائشة من الغرفة، بعد أن أطاح بها المرض اللعين، طريحة لأسرة المستشفيات في غزة و القدس المحتلة.

تبدأ القصة في أوائل ابريل 2019م، عندما دخلت الطفلة عائشة لولو "5 سنوات" من مخيم البريج وسط قطاع غزة، دخلت في نوبة مرضية، وموجة من التحليلات الطبية، والتصوير المقطعي، انتهت بإعلان الأطباء في مستشفيات قطاع غزة إصابة الطفلة بمرض السرطان في "المخيخ"، تدهورت الحالة الصحية كثيراً للطفلة، وبدأت تدخل في غيبوبة وحالات تشنج، لم تحتمل العائلة هذا المُصاب، وقررت العمل على إخراجها من مستشفيات قطاع غزة، لمستشفيات الضفة الغربية أو القدس المحتلة، للبحث عن علاج لهذا السرطان القاتل، نجحت العائلة في الحصول على نمودج طبي لتحويلها لمستشفى المقاصد، ولكنها فشلت في اقناع الاحتلال الإسرائيلي بمرافقة أحد والديها معها الي المستشفى، بدأت العائلة تبحث عن أحد الأقارب أو الأعمام من أجل مرافقة الطفلة، إلا أنها لم تجد سوى احدى الجارات التي تطوعت من أجل مرافقة الطفلة المريضة الي مستشفى المقاصد في القدس المحتلة، حاولت العائلة أن تتقدم بأكثر من طلب من اجل السماح لأمها بالسفر ومرافقة ابنتها واللحاق بها، الا أن الاحتلال الإسرائيلي رفض مجدداً طلبات الام ومناشدتها، ومناشدات وتدخلات مؤسسات حقوق الانسان، في اقناع الاحتلال الإسرائيلي بإعطاء تصريح للام التي تراقب موت ابنتها عبر شاشات الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي.

عائشة، على سرير المرض في مستشفى القدس، تتطلع إلى الشفاء وإلى رؤية والديها الي جوارها، تستعد الان لاجراء عملية جراحية هي الأصعب والأخطر، هي تراقب الدقائق التي تسبق دخولها في غيبوبة البنج، تحدثت مع أمها عبر تطبيق فيس بوك ونظرت اليها نظرات الحنان، لقد سقطت دموع عائشة، فهذه المرة الأولى التي تبتعد عن حضن والدتها، الام في غزة تراقب عبر الفيس بوك عملية جراحية لابنتها في مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة، والسبب الاحتلال الإسرائيلي، تم اجراء العملية وتم استئصاب ورم من المخيخ، وباتت الطفلة أقرب إلى الشفاء، ولكنها وقعت تحت تأثير صدمة البُعد عن والديها تدهورت حالتها الصحية، فكلما سمعت صوت أمها وابيها واخوتها عبر الهاتف او شاهدتهم عبر الفيس بوك، ازدادت في البكاء، حتى توقفت عن الكلام والطعام، وتقلصت الرؤية شيئاً فشيئاً حتى غابت عن الوعي ودخلت في غيبوبة جديدة.

تم نقل الطفلة ذات الأعوام الخمسة الى مستشفى اخر في مدينة القدس وهو مستشفى "المطلع"، ومن ثم نقلها الي غزة في سيارة اجرة الي معبر بيت حانون ايرز ، لعدم وجود تنسيق لسيارة اسعاف تنقلها من المستشفى الي غزة، في المعبر تم نقل الطفلة عائشة عبر "تكتك" وهو مختص لنقل الحقائب والمسافرين، لتصل الي بيت أبيها في مخيم البريج وسط قطاع غزة جثة هامدة لا يخرج منها الا النفس، سعت العائلة من جديد لنقلها الي المستشفى في غزة، تم وضع عليها الأجهزة الطبية، ولكنها دخلت في غيبوبة جديدة، لقد فارقت الحياة، لقد أعلن الضمائر الإسرائيلية والفلسطينية وفاه الطفلة عائشة لولو.

أيها الفلسطيني المُعذب في الأرض، إن الكائنات الكونية تتآمر عليك وعلى مستقبل أبنائك وعلى حياتهم، لقد وقعت هذه الطفلة ضحية الظلم الإسرائيلي، بأن منع والديها من مرافقتها الي المستشفى والمكوث بالقرب منها ومواستها في مرضها، وتعرضت للظلم الفلسطيني بالسماح لها بالوصول الي معبر ايرز من خلال نقلها بسيارة اجرة، وعدم توفير لها سيارة اسعاف، وتعرضت للخذلان من مؤسسات حقوق الانسان الإسرائيلية والفلسطينية والدولية التي لا تمتلك القوة في قول كلمة الحق وتوجيه اللوم على الاحتلال الإسرائيلي بانه المسئول عن قتل الطفلة عائشة لولو.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد